د. القس نصرالله زكريا عبيد لم يمضِ أكثر من ثلاثة أشهر منذ إعلان السلطات الصينية عن أول إصابة بفيروس كورونا المستجد (COVID-19) في ديسمبر 2019، حتى أعلنت منظمة الصحة العالمية أنَّ فيروس كورونا وباء وجائحة عالميَّة في مارس 2020، لسرعة انتشار وتفشي المرض في أكثر من بلدٍ في ذات الوقت، حتى وصلت أعداد المُصابين به إلى أكثر من اثنين وعشرين مليونًا، وما يزيد عن سبعمائة ألف متوفي، والعدد مازال في ازدياد مضطرد، مما حدا بالبعض لربط هذا الوباء المُميت بما جاء عن الفرس الرابع المذكور في سفر الرؤيا الإصحاح السادس والمُرتبط بالأوبئة. يقول الكتاب المُقدس في ذلك النص: "فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ اسْمُهُ الْمَوْتُ، وَالْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ" (رؤيا 6: 8)؛ فهل حقًا تنبأ سفر الرؤيا عن فيروس كورونا، وهل هذا الفيروس هو فارس الفرس الأخضر، والذي أطلق عليه الكتاب المقدس اسم "الْمَوْتُ"؟ وهل من علاقة بين ما يحدث الآن من حروبٍ وأوبئة بنهاية العالم؟ نُدرِك خطورة فيروس كورونا، وتأثيره المُميت والآخذ في التزايد على عددٍ كبيرٍ من الناس حول العالم. ومع أننا نُدرِك أيضًا أنَّ كل حالة موتٍ ما هي إلا مأساة، ينقسم رجال اللاهوت ومفسّرو الكتاب المقدس إلى فريقين حول ما إذا كان فيروس كورونا تحقيق لنبوة سفر الرؤيا أو على أقل تقدير نذيرٌ بنهاية العالم. وهنا استعرض نظرية كل فريق: 1) فيروس كورونا هو الفارس الرابع من فرسان سفر الرؤيا. يعتقد أصحاب هذه المدرسة أن انتشار الأوبئة دليل على اقتراب نهاية العالم، وأنَّ الفرس وراكبه المذكورين في سفر الرؤيا (6: 8)، إنما يُشيران إلى واحدة من أهم علامات نهاية العالم، التي تسبق المجيء الثاني للمسيح، وهي انتشار الأوبئة القاتلة للبشر. وفي تفسيره لهذا النص من سفر الرؤيا، يذكر هنري أيرونسايد أنَّه عندما فُتِح الختم الرابع، ظهر فرسٌ باهت يمتطيه الموت. الكلمة الأصلية تعني باهت أو أخضر أو مطلي بالكروم. لعل الترجمة الأفضل هي فرس "شاحب"، أي بلون الجثة أو الجيفة. علامَ تدل هذه الصورة؟ على وباء الطاعون، الذي كان دائماً يأتي إثر الحروب والمجاعات. ولكن التحقق الكامل لهذا إنما هو أمر قريب. ويقول مفسّرٍ آخر، إنّ راكب الفرس الأخير اسمه: "الموت" وهو الوحيد بين الفرسان الأربعة الذي يُظهر هويته مباشرة. وبشكل ملائم، يركب الموت على فرس شاحب، لأنَّ كلمة "شاحب" تُستعمل في الأدب اليوناني لتصف وجوهًا مصفَرَّة، كما لو كان ذلك بسبب مرض. وبشكل ملائم أيضًا، فإنَّ الهاوية (أي المقابر)، تتبع الموت عن كثب بطريقة غير موضَّحة، لأنَّ الهاوية تستقبل العدد الأكبر من أولئك الذين يقعون ضحيّة ويلات الفارس الرابع. وقد أدرج مايكل سنايدر فيروس كورونا في "قائمة 10 ضربات تصيب كوكبنا في وقت واحد"، وقد رتبها على النحو التالي: الضربة الأولى جيوش الجراد، والثانية أنماط الطقس الغريبة والمتغيرة، والثالثة فيضانات غير مسبوقة، والضربة الرابعة الزلازل الكبرى، والخامسة الانفجارات البركانيّة غير العادية، أمَّا الضربة السادسة فهي فايروس كورونا، والسابعة حمى الخنازير الأفريقيّة، والثامنة إنفلونزا الخنازير H1N1، والتاسعة والعاشرة إنفلونزا الطيور H5N1، H5N8. وفي حين غرَّد شخص أخر على تويتر قائلًا: "إنَّ نهاية العالم ذكرها الكتاب المقدس، حيث سيموت ثلث العالم سيموت من الوباء والمجاعة والأمراض". أكَّد إرميا جاك من موقع كنيسة الله في فيلادلفيا عن وجود علاقة لا جِدال فيها بين تفشي فيروس كورونا الأخير والطاعون المروّع الموصوف في كتاب الرؤيا. 2) فيروس كورونا وباء سينقضي كغيره. يعتقد أصحاب هذا الفكر، إنَّ كل يومٍ يمضي بنا إلى نهاية العالم الآتيّة لا محالة، وأنَّ المجيء الثاني للمسيح حقيقة مؤكّدة، علَّم بها الكتاب المقدس في نبوات العهد القديم والجديد، وكما تحقّق المجيء الأول للمسيح، سيأتي ثانية، وقد علَّم المسيح عن مجيئه الثاني عدة مرات منها ما جاء في (متى 24، مرقس 13، لوقا 21)؛ وقد أكدَّ المسيح في كل مرة يُعلِّم فيها عن مجيئه ثانيّة، أنَّ "ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ إِلاَّ أَبِي وَحْدهُ"؛ ثم يُردِف قائلًا: "اِسْهَرُوا إِذاً لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ" (متى 24: 36، 42). يكتب ج.أ وليامسون، عن الفهم الخاطئ لتعليم المسيح عن مجيئه ثانيّة ويربط هذا التعليم ببعض العلامات مثل الحروب والأوبئة وغيرها، فيقول: "إن الحروب وأخبار الحروب لم تكن من علامات المجيء الثاني للمسيح"؛ أمَّا عن الأوبئة، فدراسة بسيطة لتاريخ الأوبئة التي اعتقد مفسرو الكتاب المقدس أنها علامات على نهاية العالم، تكشف لنا خطأ هذا التفكير، فقد هاجم الطاعون الأنطوني العالم ما بين عامي 165 و180 ميلاديًا، متسببًا في موت 5 ملايين شخص؛ ثم انقضّ "طاعون جستنيان" ليقتل نحو 50 مليون شخص، أي ربما ما يعادل نصف سكان العالم في ذلك الوقت، وصولًا للطاعون الأسود الذي هاجم العالم في القرون الوسطى، فقتل أكثر من 200 مليون نسمة، وقضى على ثلث سكان أوروبا. وليست الإنفلونزا الإسبانيّة بعيدة عنا (1918)، فقد قتل فيروسها ما يقرُب من 50 مليون شخص في عام واحد فقط وأصاب ربع سكان العالم. يقول مايكل براون، الأستاذ والمحاضر في عدد من المعاهد اللاهوتيّة: "أُدرِك خطورة هذا الفيروس. لكننا نُخطئ إذا ربطنا بين نبوءات الكتاب المقدس عن نهاية العالم، وبين اعتقادنا أن فيروس كورونا هو طاعون نهاية العالم. ما أفهمه هو أنه سيكون هناك اضطراب هائل قبل نهاية العالم، لكنَّ سيكون هناك أيضًا تدفق روحي عظيم؛ وفي كلتا الحالتين، ما هو واضح بالنسبة لي أنّه لا ينبغي لنا أن ننظر إلى فيروس كورونا على أنه طاعون متنبأ به في سفر الرؤيا". أخيرًا، هل أنت جاهز؟ سواء أكان فيروس كورونا ما تنبأ عنه سفر الرؤيا في الكتاب المقدس أم لا؛ فإنَّ وجودك في زمن انتشار هذا الفيروس يُجبرك على طرح سؤالِ في غاية الأهميّة، "هل أنا مستعدٌ؟"؛ طبعًا لا أعني الاستعداد لمواجهة المرض أو تداعياته، بل هل أنت مستعدٌ للموت؟ تتعدد الأسباب وإنما الموت واحدٌ، فيمكن أن تموتين أو تموت بسبب فيروس كورونا أو لأي سببٍ أخر، أو تموت بسلام أثناء نومك، إنَّ موتك يقينيّة مؤكدة، تُخبرنا خبرتنا، والكتاب المقدس أيضًا أنَّه "وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا" (عبرانيين 9: 27)؛ انظر وتأمل، كم عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 100 عام؟ ربما القليل. ماذا عن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 150 عامًا؟ لن نجد. لقد ماتوا جميعًا، وهذا يعني أنَّ بالتأكيد سنموت يومًا ما أيضًا. السؤال الذي ينبغي علينا أن تقف أمامه هو التالي: عندما تموت، هل تعرف إلى أين أنت ذاهب؟ إذا وضعت ثقتك في المسيح وآمنت به في قلبك، واعترفت به بفمك، خلُصت، "لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ خَلَصْتَ" (رومية 10: 9)؛ وكل الذين أمنوا بالمسيح أعطاهم سُلطانًا أن يُصبحوا أولاد الله، "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ" (يوحنا 1: 12)؛ وأولاد الله لهم الوعد أن يُبرروا ولن يواجهوا دينونة الله، يقول الكتاب المقدس: "إِذاً لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ” (رومية 8: 1)؛ ولكل أولاده المؤمنين به، يقول المسيح: "أَنَا أَمْضِي لِأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً. وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَاناً آتِي أَيْضاً وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً" (يوحنا 14: 2، 3). إنَّ أفضل استعداد لفيروس كورونا هو معرفة مكانك. يقول يسوع أنك إمّا له أو ضدّه (متى 12 :30). لا يوجد منزلة بينهما. لذا إذا لم تكن قد اتخذت قرارًا بقبول يسوع المسيح كمخلصٍ شخصي لك، أشجعك على القيام بذلك الآن. ويكون فيروس كورونا قادنا إلى اتخاذ أفضل ما يضمن لنا حياتنا في المسيح، فنشدو مع بولس الرسول: “لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ” (فيلبي 1: 21).
0 Comments
Your comment will be posted after it is approved.
Leave a Reply. |
Telosقضايا حاليّة أرشيف
|