ماريَّا قباره
إنّها الظهيرة. والضَيعةُ قاحلة مقفرة، ويسوع جالساً مُتعباً من المَسير على حافة بئرِ يعقوب. حين وصلت امرأة من السّامرة، فطلبَ منها يسوع أن يشرب، هو الّذي لن يطلب الشرب ثانيةً إلاّ على الصليب. تعجبت المرأة السّامريّة عندما لاقاها يسوع في عُمق عطشها هي، في عمق كيانها المجروح بعدم الاِرتواء " لو كنت تعرفين عطاء الله، ومن الّذي يقول لكِ اسقيني، لسألتهِ أنتِ، فأعطاكِ ماءً حيّاً" (يوحنا 10:4). رفضت المرأة أن تغوص في عمقها، هي الّتي لم تعِ وجودها منذ زمنٍ طويل. ومثل حواء حاولت التهرّب من وجه الله فوجدت نفسها تلبس ثوب العريّ والخجل. شعرت المرأة بحضور يسوع أنّها كُشفت لذاتها، وأضحتْ أبعد من الشهوة التي قادتها من مغامرة إلى أخرى ومن عشيقٍ إلى آخر. هي الآن تسمِّي رغبتها بعد أن كانت تبحث عن المطلق في الحبّ؛ أي مطلق الله، وتسأل: كيف ألتقي الله الحيّ؟ "يا سيّد، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إنّ في أورشليم الموضع الّذي ينبغي أن يُسجد فيه" (يوحنا 20:4). لقد عُريّ الجرح الأصلي في القلب الأنثويّ، ومن خلال لقاء هذه المرأة تطلّع يسوع إلى كلّ من سيأتون إلى الآب مدفوعين بأنّات الرّوح الحيّ الساكن في قلوبهم. وحقّقت المرأة السّامرية بحسب الإنجيلي يوحنّا المشروع الذي بدأه يسوع والمتمثّل بـعبادة الله بالروح والحقّ "الله روح والّذين يسجدون له فبالروح والحقّ ينبغي أن يسجدوا" (يوحنا 24:4). اِلتقى يسوع بالمرأة السّامرية وتعارفا! السّامرية الّتي تتعرّف إلى يسوع المسيح مخلص العالم، فتُشارك الغير به. في النصّ مشهدين متوازيين: مشهد يسوع مع المرأة السّامرية، ومشهد يسوع مع تلاميذه. لكنّ حوار يسوع مع السّامرية هو في صميم الحدث، في محاولة بلورة وفهم دور التّلميذ وإظهاره على حقيقته. لم يعد الكلام ضرورياً، فالاتحاد اِكتمل بالمحبّة المتبادلة. "وأخطبك لنفسي إلى الأبد وأخطبك لنفسي بالعدل والحق والاحسان والمراحم، أخطبك لنفسي بالأمانة فتعرفين الرب" (هوشع 21:2). أعود إلى اختيار يسوع امرأة ليكشف ذاته مسيحاً للمرة الأولى وبوضوح. "أنا الّذي يكلّمك هوَ" (يوحنا 26:4) المرجع الأول في الأناجيل، يُعلنها يسوع لاِمرأة، بغضّ النّظر عن عِبادتها، موضحًا لها من هم عبّاد الآب الحقيقيون. في حين أنّه لم يكن قد تكلّم بعد عن الآب لتلاميذه "ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين السّاجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحقّ لأنّ الآب طالب مثل هؤلاء السّاجدين له" (يوحنا 23:4). وللحال، "تركت المرأة جرّتها ومضتْ إلى المدينة وقالت للناس: هلّموا انظروا إنساناً قال لي كلّ ما فعلت ألعلَّ هذا هو المسيح؟" (يوحنا 28:4-29). مثل "المحبوبة" في سفر نشيد الأناشيد، اِنطلقت السّامرية حُرّة من كلّ حكم ومن كلّ عار ومن كلّ خوف، وتهللَّ يسوع. أمّا التلاميذ فصمتوا على عتبة هذا السرّ. فأصبحت المرأة السّامرية أول رَسولة لإنجيل الحياة. لقد بذرت الزّرع فحضّرت لخبرة السّامريين الشخصيّة وللحصاد الرسوليّ "وقَالُوا (السّامريون) للمرأَة: " إنّنا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أنّ هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم". نهاية، أودّ أن أُظهر نضارة هذا النصّ بقلبٍ جديد، مدركين أنّ الموضوع يتعلّق بولادة جديدة لحواء، بإعادة لأيام الخلق الأولى. فبلقاء السّامرية على حافة البئر، وبكشف الماء الّذي هي عطشى إليه، وهبها يسوع؛ ومن خلالها وهب كلّ النساء، الانعتاق الجذري، واضعاً القوى الحيّة فيها في ديناميكية رغبتها الأولى " الماء الذي أعطيه يَصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يوحنا 14:4). ومنذ ذلك الوقت وللنّساء موعدٌ للقاء فرح الله كلِّه، وهو المعبر الوحيد لحريتهن. "ويكون في ذلك اليوم أنّي استجيب يقول الرب استجيب السماوات وهي تستجيب الأرض. والأرض تستجيب القمح والمسطار والزيت وهي تستجيب يزرعيل (الله يزرع)" (هوشع 21:2-22)
1 Comment
|
Telosقضايا حاليّة أرشيف
|