ماريّـا قباره
في مواجهة العنف وخطاب الكراهية الّذي يسود العالم يظهر يسوع نفسه بالتّعليم: "أنّ الودعاء سيملكون الأرض". في القديم كانت شريعة العين بالعين تطالب بالإنصاف عند الانتقام في سبيل استعادة العدالة المهضومة، أمّا يسوع فيطالب بالصفح لغاية سبع وسبعين مرّة، ويوّجه أمره للجميع "أحبّوا أعداءكم وادعوا لمضطهديكم". ولئن كان الإنجيل، بشارة الفرح والسّلام، مرتبطاً ارتباطاً جذرياً باللاعنف، فمن البديهي أن تساهم كنائس المسيح في نشر طرقٍ وأساليب وخطابات دفاع لاعنفية، وتنظّم أساليبها بمواصلة عيش اللاعنف نصب عينيها، في صميم حياتها وبين جماعة أفرادها. إن لم يكن العنف دامياً، إلاّ أنّه منتشر بنطاق واسع بين أبناء الكنائس. فمنذ أكثر من عقد من الزّمن نلاحظ دعوات واضحة وصريحة من أكاديمييّن لاهوتيين، وخدامٍ كنسييّن مستنيرين، ورعايا كنسيّة لتجديد الخطاب الديني المسيحيّ مطالبين بثورة دينيّة إصلاحية واجبة على كافة أطر الحياة والعمل الكنسيّ، وخاصّة، في ظلّ الحاجة المُلحة اليوم لرؤية جديدة يمكن البناء عليها محلياً وكنسياً في مكافحة الخطاب الدينيّ المسيحي المُتزمت والّذي تعاني من تناميه الكنيسة الأرثوذكسيّة عامة، والأنطاكيّة خاصّة. فلا يمرّ يوم إلاّ وتطلعك صفحات التوّاصل الإجتماعي وغيرها من وسائل الميديا بأخبار ومقالات عنفية تجاه المرأة، وخطابات كراهية مخيفة تجاه الكنائس غير الأرثوذكسيّة. فإذا أخذنا أمثلة ومواقف نلاحظ أنّه: كم من مطران ومسؤول كنسيّ ينتهك الكرامة الإنسانيّة بإصداره حكم أو حرمان يعتبره "منحرفاً" قبل إعطائه أبسط حقوق الدّفاع المشروع عن النّفس؟ أو عندما يفرض هذا المطران على أبرشية بأكملها رعاة ترفضهم الأغلبية السّاحقة؟! وماذا عن الصّمت المريب للكنيسة إزاء الظّلم وإفقار المواطنين تبعاً نهب المال والمساعدات الإنسانيّة وقمع الحريات والبيدوفيليا داخلها؟ في الآونة الأخيرة، يبرز العنف والخطاب "التكفيري" المسيحيّ ببعض مواقف أصبحت واضحة وجليّة بإدعاء كنيسة ما الإستئثار بالحقيقة كاملة معتبرة أنّ تقاليدها وعقائدها هي ذاتها ووحدها "إرادة الله" لخلاص الإنسان. فكم من مجموعة مسيحيّة أو رهبانيّة ترفض أيّ حوار أو مشاركة مع إخوة وأخوات لها لا يشاطرنها ذات الآراء، وكم يصبح الأمر أكثر سوءاً وحِديّة بإيجاد حوار مع كنائس أُخرى؟ وإلى متى ستبقى قوانين الأحوال الشّخصيّة تنتقص من حقوق وكرامة المرأة، صورة الله، وتجعل هذه القوانين محتكرة برأي وقرار أساقفة رجال ضمن مؤسسة دينيّة لا تتبع استشارة حقوقيّين وذوي اِختصاص؟ لقد ثار يسوع بحزمٍ ضدّ "التّقاليد التّي أبطلت كلمة الله"، والّتي بها كان فريق من اليهود "يخرقون وصيّة الله"، متعدّين النّاموس ومحبة الله، فصاروا يكرمون الله بشفاههم، وقلبهم بعيد منه، فباطلة عبادتهم ووصايا بشر تعاليمهم". اعتمد يسوع الوداعة في التّعامل مع النّاس ومع القضايا الإجتماعيّة والفرديّة، والدعوة الشّخصيّة الموجهة إلى ضمير الفرد والّتي للاقناع بها بصبرٍ وأناة، ولمدّ يدّ العون معنوياً ومادياً المكان الاول. لذلك، على الكنائس أن تبرز قيم اللاعنف وتنشرها بما يقتضي من وسائل داعمة كلّ مبادرة في هذا المضمار. وأن تعيش اللّاعنف، داخلياً، في صميم حياتها، وفيما بين قادتها ومرؤوسيها ورعاياها، ولا تسمح بانتهاكات مستمرة تحت مسمَّى "فتاوى" وتفسيرات دينيّة محافظة كنسياً. فكم من فرقٍ كنسيّة تقود حملات هجوم عنيفة على المفكرين واللاهوتييّن والباحثين الّذين لديهم رؤى مخالفة لها، أو الّذين ينتقدون استدعاء التّقليد في ظروف غير مناسبة. كما ّأنّها لا تقبل بأيّ نقدٍ لدورها وتعمل على التّضييق على حرية الرأي والتّعبير؟ على الإنسان، أولاً وأخيراً، أن يحارب بكلّ قواه الشّرور المتنّوعة، الّتي ترزح الإنسانيّة وخفايا قلبه تحتها. وعليه أن يقاسم أخاه ألمه ومعاناته لتهون المآسي. هذا التّحدي هو شرط من شروط الإيمان ودليل عافية نفسيّة وروحيّة.
0 Comments
Maria Kabara
لقد باتَ العالم قرية صغيرة في ظلّ التّحولات السّريعة لوسائل الاتصال والثّورة المعلوماتيّة، وبدأ تأثير هذه الثّورة الرقمية يتضّح في كافة أنشطة الحياة الإنسانيّة. وفي ظلّ هذا التسارع في العصر الرقمي وزمن الصّورة الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي وبرنامج "شات جي بي تي" (ChatGPT) والهولوغرام (Hologram)، وغيرها من التّقنيات والابتكارات التّكنولوجيّة. لهذا، حرصت جامعة دار الكلمة في فلسطين على دعوة مجموعة من الخبراء في هذا المجال الرقمي من منطقة جنوب غربي آسيا وشمال إفريقيا لفتح واستكشاف أفقاً لهذه المسألة المهمة في الوقت المناسب وبطريقة علمية، ولمناقشة استخدامات التّحول الرقمي في المشاركة والممارسات الدينيّة ومستقبله على صعيد قطاعات الفنون والمؤسسات التعليميّة والثّقافيّة، وأيضاً، لعرض التّحديات واستخلاص الفرص المُتاحة لدمجها مع تقنية الذّكاء الاصطناعي. هذا ما نوّه إليه القس البروفيسور متري الراهب مؤسس ورئيس جامعة دار الكلمة بقوله: "ستجلب الثّورة الرقميّة التّي نمرّ بها فرصاً لا نهاية لها ولكن، أيضاً، تحديات هائلة وسوف تُحدث ثورة في عملنا ودراستنا وكيفية ارتباطنا بأنفسنا والآخرين". ومن جهة د. باميلا شرابية مديرة برنامج اللّقاء التّشاوري ذكرت: " أنه تمّ دعوة المشاركين لمناقشة أسئلة عديدة منها: ما هي الآثار الأخلاقية والأيديولوجية والأنطولوجية للحياة الرقمية للأفراد والمجتمعات؟ وما هي الطّرق التّي يتحول بها المَشهد الثّقافي المعاصر نحو الرقميّة في جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا؟ وماذا عن الأمن السيبراني والقوانين والسّياسات الحكومية، مثل تلك المُتعلقة بالسّياسات التّنظيمية لإنترنت الاشياء في قطاع التّعليم العام؟". هذا اللّقاء عُقد في لارنكا من أعمال قبرص في 9-10 حزيران حول "الدّين والثّقافة والتّعليم العالي والتّحول الرقمي لجنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا: التّحديات والفرص"، والّذي نظّمته جامعة دار الكلمة والمنتدى الأكاديمي المسيحي للمواطنة في العالم العربي (CAFCAW) . أكدَّ المشاركون والمشاركات على أهمية التّحول الرقمي عبر تفاصيل الحياة الإنسانيّة من ثقافة، دين، تعليم، صحّة، قانون، فنون …الخ. وتمّ تبادل الأفكار حول كيفية الاستفادة من هذا التّحول الرقمي سريع التّطور لتعزيز إمكانية التّغيير الإجتماعي في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا وخارجها. شارك في هذا اللقاء التّشاوري أكثر من 36 أكاديمياً وفناناً وخبيراً من مختلف دول جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا ومنها فلسطين وسوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر وعمان والمغرب، بالإضافة إلى حِفنة من المشاركين والمشاركات من الشّتات في أوربا من اختصاصات عديدة في اللّاهوت والسّياسة والقانون والعلوم الإنسانيّة والاجتماعية. وقد تضَّمن اللّقاء ورشات عمل وعروض أوراق أكاديميّة بحثيّة ونقدية، وجلسات حوار أكاديميّة والّتي شملت مداخلات قصيرة ونقاشات في العمق وجلسات تمهيدية وعامة وختاميّة. حيث تمّ التّركيز خلال اللقاء على مناقشة ثلاثة محاور: المحور الأول كان حول الدّين والتّحول الرقمي، والمحور الثاّني ركّز على الثّقافة والتّحول الرقمي، أمّا المحور الثّالث فناقشَ موضوع التّعليم العالي والتّحول الرقمي. اللّقاء التّشاوري في لارنكا هو، ولا شكّ، ثورة فكرية غامرة ومناسبة للتبادل الثّقافي والعلمي، وأيضاً، لطرح أسئلة ملحّة أخرى، لاستنباط مواطن الضّعف والمخاطر، في ظلّ هذه الثّورة الرقمية، الّتي علينا استشرافها وفهمها لخدمة الإنسان ومصيره وكرامته. |
Telosقضايا حاليّة أرشيف
|