كتب أسعد قطّان:
شخصيّاً أنا ممتن كلّ الامتنان لظاهرة الوباء، ولفيروس كورونا بالذات. إنّه الشعرة التي قصمت ظهر البعير كما قالت العرب. وإنّه الظاهرة التي أظهرت بما لا يقبل الجدل كمّ أنّ القيادة الكنسيّة في الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة مضعضعة ومتردّدة. لقد فهمنا الدرس جيّداً واستوعبناه وبتنا قادرين أن نعلّمه لأجيالنا المقبلة لمئات من السنين. فشكراً أيّها الفيروس العظيم. ألا بارك الله فيك. لقد كنت قادراً أن تبيّن في مسافة أسابيع ما كانت قياداتنا الكنسيّة تسعى إلى التستّر عليه وإخفائه طوال سنين. في أزمنة صعود وتيرة الوباء، من المنطقيّ والمقبول كنسيّاً ورعائيّاً أن تُقفل الكنائس لبرهة وأن يضطرّ شعب الله المؤمن إلى الامتناع عن المناولة المقدّسة. فالأولويّة هنا هي لحماية البشر وحماية صحّتهم. والنقاش حول ما إذا كانت طريقة المناولة المقدّسة تسمح بانتقال المرض إلى المتناولين أو تمنعه، رغم أهمّيّته، كان يختزن جانباً عقيماً. فلا أحد لديه استعداد ليضع المتناولين والمناولة المقدّسة تحت مجهر الاختبار العلميّ. ولا أحد، إذا كان متعقّلاً، يجرّب الربّ الإله ويطالبه بعجيبة هنا وعجيبة هناك. «لا تجرّب الربّ إلهك»، كلمات يسوع للشيطان نسيها معظمنا في أزمنة الكورونا. أمّا الآن وقد سُمح بفتح الكنائس وإقامة الصلوات والقدّاس الإلهيّ ضمن ضوابط مقبولة، فلا سبب يستوجب حرمان الشعب من المناولة الإلهيّة. الإجراءات التي فُرضت هنا وهناك، في الكنيسة الأنطاكيّة وخارجها، ولا سيّما في بعض بلاد المهجر، وقضت بالاحتفال بالليتورجيا الإلهيّة والامتناع عن مناولة الشعب تفتقر إلى المستند اللاهوتيّ والليتورجيّ. هي، بكلّ بساطة، إجراءات لا أساس لها في التراث وفي نصّ القدّاس الإلهيّ ذاته ولا يمكن تبريرها لا عبر الاستنجاد بالأزمنة التي كان الناس يتناولون فيها أربع مرّات في السنة، ولا عبر القول إنّ تعليمات الحكومات وصحّة المؤمنين تقتضي ذلك. ما نعيشه في الأمكنة التي تلجأ إلى هذه الممارسة هو في نهاية المطاف تقويض لسرّ الشكر الإلهيّ، وتالياً لسرّ الكنيسة التي تقوم عليه، كما تعلّمنا من الكتاب المقدّس والتراث الأصيل واللاهوتيّين المعاصرين الذين أعادوا اكتشاف تأصّل الكنيسة في سرّ الإفخارستيّا. طبعاً الإبقاء على شكل المناولة الحاليّ بالمطلق، أي التناول من الكأس الواحدة بملعقة واحدة، لا يقدّم حلاًّ، لأنّ ثمّة أناساً «ضعفاء» يخافون من التقدّم. ما العمل؟ الحلّ هو في استنباط شكل آخر بالإضافة إلى الشكل التقليديّ. وثمّة أمثلة في الكنيسة الأرثوذكسيّة يمكن استلهامها والاستفادة منها. طبعاً أنا أتفهّم موقف المطارنة في حيرتهم. هم واقعون بين مطرقة التدابير الصحّيّة وسندان امتناع المجمع الأنطاكيّ المقدّس عن بحث الموضوع. الثابت أنّ المطارنة أسياد قرارهم في أبرشيّاتهم. وموضوع شكل المناولة ليست مسألةً عقائديّة، وهم يستطيعون الاستعانة بطرق أخرى من دون العودة إلى المجمع المقدّس. ولكنّي طبعاً أفهم انتباههم إلى الوحدة وسعيهم إلى أن تكون الأمور بلياقة وترتيب. ولكنّ المشكلة في هذا المنطق أنّ سرّ الكنيسة، وتالياً وحدتها، معرّض للنسف بالامتناع عن مناولة الشعب. وهذه هي المفارقة التي يضعنا الوضع الحاليّ في مواجهتها. ضعضعة القيادة الكنسيّة وتردّدها يقومان في تخاذل المجمع الأنطاكيّ المقدّس، وفي إحجامه عن إقرار شكل آخر للمناولة على وجه السرعة يتناسب مع الأزمة الحاليّة. لو قام المجمع بهذا بصوت واحد وكلمة واحدة، لوفّر علينا الإمعان في ما نحن عليه اليوم من وضع شاذّ لاهوتيّاُ ورعائيّاً، ولحقّق رغبةً عُبّر عنها بصراحة في اللقاء الأنطاكيّ الموسّع الذي انعقد في البلمند العام ١٩٩٣. بين العام ١٩٩٣ والعام ٢٠٢٠ سبع وعشرون سنة. تغيّرت أمور كثيرة منذ ذلك الحين. اخترع العالم الإنترنت والموبايل واكتشف أدويةً للإيدز ولكثير من الحالات السرطانيّة. فهل يوجد مبرّر أن تبقى القيادات الكنسيّة تتحرّك على وقع السلاحف وكأنّها تعيش على كوكب آخر؟ (الأيقونة: تفصيل من تكثير الخبرات الخمس، متحف كوليمباري، كريت)
0 Comments
Your comment will be posted after it is approved.
Leave a Reply. |
Telosقضايا حاليّة أرشيف
|