شق المنظرون علينا أدمغدتنا ... وأكدوا وطالبوا وحثوا على الإيمان المطلق بيسوع المسيح ....
هذا الرجل الناصري الصالح الذي طالبني بأن أغفر لأعدائي ...والذي عاش كما قال وقال كما عاش ... شرحوا وفسروا الكثير من الآيات التي وضعتنا تحت نير الإيمان والصوم والصلاة المفروضة من قبلهم .... فإذا لم تفعل ما تقدم ... فلن ولم وسوف وحيث ولا .... وغيرها من اللاءات التي ستبعدك عن الآب والابن والروح القدس ... وشرط دخولك في علاقة مع المسيح هو ما نأمرك به فقط ..... وفقط هنا تحتمل ما كُتب من قبلهم أو ما تمكنوا من استخلاصه أو شرحه بطريقتهم عن العلاقة مع المسيح .. أحيانا كثيرة أتساءل .... ما مصدر هذا الفرح الذي يعيشه غير المؤمن ... هذه الضحكة الحقيقة ..... ولماذا المؤمن في حيينا وحارتنا ومدينتا ومجتمعنا، متعصب متجهم متسائل غيور ... ويرى مايفعله هو عين الصواب والأخر المتهم .... إلى جهنم وبئس المصير ..... ( لو فرضنا جدلا وجود ما يسمى جهنم) في العلاقة مع يسوع كما أنا قبلته .... عليه أن يقبلني أيضا ... من قال لكم بأن العلاقة هي من طرف واحد .... أريده أن يقبلني بما أنا عليه .... أنا لا أحب رائحة الشمع ...... ولا أحب الصوم عن السمنة والزيت واللحمة ..... وفي نفس الوقت أرغب في العلاقة مع يسوع ... لذا عليه انتظار الجواب مني أيضا ..... فهذه شروطي .... أنا أحب أن أفرح وأحبه لأنه قال احملوا نيري لأن نيري خفيف ..... لنتفق اذا بأن العلاقة من طرفين وفيها القبول من طرفين ..... لا شروط داخلية بعد القبول، إنما الحب هو الشرط الوحيد في هذه العلاقة كما قال الأب فرانس ( خوري حمص ) في احدى السهرات " يسوع على الصليب إما هو شخص مجنون أو هو بالفعل المسيح ابن الاب ... وانت والقول هنا للاب فرانس إما تؤمن أو لا تؤمن " فالعلاقة مع المخلص هي علاقة تبادلية قبول متبادل ..... قد يقول أحدهم ... لماذا تهاجم الصوم والصلاة وكل الطقوس والعادات .... أقول .... لست ولن أكون ضد أي ممارسة تشعرك بالراحة النفسية والفرح ... ولكن لا تقيدني بها وتشترطها للدخول بعلاقة طيبة وفرحة مع يسوع صديقي المذيع ميلاد موسى (مذيع ورئيس تحرير الأخبار الرياضية في قناة دبي) ورئيس القسم الرياضي في الرؤية
0 Comments
ماريَّا قباره
مَرثا أم مريم؟ تَهميش أم مساواة ؟ هذا السؤال الذي يطرح نفسه في تحدٍ كبير للاستفسار عن مكانة ودور المرأة في الكنيسة الأرثوذكسيّة. تعكسُ الصورتان الإنجيليتان لكلّ من مرثا ومريم مفهومَين مختلفَين عن المرأة، وتحدّدان الأدوار المختلفة المدعوة لتؤديها المرأة في الكنيسة الأرثوذكسيّة. ورأيت من المناسب اتخاذ هاتين الصورَتين الإنجيليَتين لمقاربة المكانة الحقيقيّة للمرأة في الكنيسة الأرثوذكسية والأدوار الناشئة فيها. يقول الإنجيليّ لوقا في الإصحاح العاشر منه: "وبَينَما هُم سائرون، دَخَلَ قَريَةً فَأَضافَتهُ امَرَأَةٌ اسمُها مَرتا. وكانَ لَها أُختٌ تُدعى مَريم، جَلَسَت عِندَ قَدَمَي الرَّبِّ تَستَمِعُ إِلى كَلامِه. وكانَت مَرتا مَشغولَةً بِأُمورٍ كَثيرَةٍ مِنَ الخِدمَة، فأَقبلَت وقالت: "يا ربّ، أَما تُبالي أَنَّ أُختي تَرَكَتني أَخدُمُ وَحْدي؟ فمُرها أَن تُساعِدَني" فأَجابَها الرَبُّ: "مَرتا، مَرتا، إِنَّكِ في هَمٍّ وارتِباكٍ بِأُمورٍ كَثيرَة، مع أَنَّ الحاجَةَ إِلى أَمرٍ واحِد. فَقدِ اختارَت مَريمُ النَّصيبَ الأّفضَل، ولَن يُنزَعَ مِنها". (38-42). إنّ نموذج مَرثا يعبّر عن المعايير الشرقيّة المتوارثة، ولذلك في ذلك العصر، حُجّم دور المرأة جاعلاً إياها محافظةً على الدور التقليديّ الذي رُسم لها في متابعة شؤونِ البيت الداخليّة دون الاهتمام لأيّ أمر خارجه، كشؤون المجتمع الاجتماعيّة المختلفة. فالقرارات التي تتخذها المرأة تتعلّق فقط بشؤون البيتِ الداخلية، كالأسرة، وتربية الأولاد. في حين أنّ مسائل الشؤون الخارجيّة، كالمسؤوليات الإدارية والمالية تبقى من اهتمام الرجل. وبالتالي، بقيت المرأة مختفية في مطبخ المنزل، لها دورٌ محدّد مرسوم لها، لا يمكن الحياد عنه. كان يسوع في بيت عنيا بمثابة معلّم يهوديّ"Rabin"، ومريم كانت تجلس عند قدميه تستمع إليه. مريم ليسَ لها حقّ في وضعيّة كهذه في المجتمع الذي كانت تنتمي إليه. بل كان عليها أن تكون على غرارِ مرثا أختها في خدمةِ البيتِ والمائدة. إلاّ أنّ يسوع مدحَ مريم التي خرجتْ من المطبخ، وجَلست عند قدميه تَسمع كلامه، فأصبحتْ تلميذة. نرى هنا موقف متحرّر كليًّا ليسوع في مواجهة نظام وقوانين وشرائع كانت تُسنّ في المجتمع الذي كان يعيش فيه. حريّة يسوع المُهمَّة هذه نراها في النصّ إذ يقول: "اختارَت مَريمُ النَّصيبَ الأّفضَل، ولَن يُنزَعَ مِنها". إنّه نموذج المرأة التلميذة التي تتبَع المعلّم، على قدم المساواة مع تلاميذه الرجال. نصٌّ أنثوي بامتياز لأنّه يُقَيِّم في النهاية امرأة متحرّرة من قواعد العَمل كمدبّرة منزلٍ أو مسؤولة عن المائدة. إنّ صورة مرثا هذه تعبّر عن الدور التقليدي لمكانة المرأة، في ذلك العصر، كصّورة مهمشّة في مجتمعها. هذا النموذج غير لائق لصورة الله في الإنسان، وغير مُنصفٍ بحقِّ المرأة. ولهذا واجهه المسيح بالقول: أنّ "مريم قد اختارت النّصيب الأفضل". وهذا الأمر يتعارض مع موقف الذين، مثل مرثا، لديهم مشكلة في تقبّل أنّ المرأة سامعة للكَلمة وتخدمها. فأتى مدح المسيح لمريم دعوة للقول بالتساوي على المستوى الوجوديّ المواهبيّ أولاً، وثانياً، على المستوى الاجتماعي- المؤسساتي. فأي نموذجٍ يفضلّه المجتمع الكنسيّ اليوم، مَرثا أم مريم ؟ يبدو أنّ يسوع المسيح يقبل دور مريم. بينما الكنيسة تفضّل دور مرثا. يعكس التمايز بين دوريّ مرثا ومريم صراع في فضاءِ الكنيسة بين المؤسسة والمَوهبة. بين الدور المؤسساتي للمرأة عن الدور الكاريزماتي- المواهبي لها. فالتمييز بين المؤسسة والموهبة – الشائع في مجال البحث الاجتماعي – لا يترك الكنيسة الأرثوذكسية غير متأثرة بهذا الطرح. فعلى الرغم من الإشادة بدور مريم، إلاّ أن دور مرثا اكتسب أهمية متزايدة على مرّ العصور متبعاً دوراً موازياً في مسار مأسسة الكنيسة. فعلى المستوى اللاهوتي- المواهبي يُعترف بالمكانة المتساوية لمريم في المجتمع الكنسيّ. أمّا على المستوى المؤسّساتي - الاجتماعي تعيش مرثا أدواراً محدّدة، أدواراً تمييزية، مُهمشة وأدنى قيمة، تمّ قبولها ومأسستها على نطاق واسع في المؤسسة الكنسيّة. المستوى المؤسّساتيّ هَيمن على المستوى اللاهوتي- المواهبي. وبينما سُلطّ الضوء من خلال تعليم الكنيسة الرسميّ على المكانة المتساوية للمرأة من ناحية الخلاص والقداسة والتقديس. لكي لا يُعتبر هذا التسجيل للنماذج الأنثوية كتصنيف مبسط، سنحاول أن نرى من خلال أمثلة محددة أبعادَ كلّ نموذج. فقول بولس الرسول عن مكانة المرأة له وقع أساسيّ، فقد أكَّد في رسالته إلى أهل غلاطيّة أنّه: "لا رجل ولا امرأة، بل الجميع واحد في المسيح يسوع" (غلا3: 28). فموقف المسيح تجاه المرأة وتعامله معها، جَلَبَ لها خدماتٍ وأفعالاً (بحسب بولس الرسول- الرجل) وقَادَها إلى لعبِ دور فعَّال في الكَنيسةِ الأولى. ونتيجة لذلك، في المجتمع المسيحيّ المبكّر، أخذت النساء أدوار مبشراتٍ ومعلماتٍ وشمَّاسات (رومية16: 1-16). ومع ذلك لم يتجنّب بولس الرسول، في عصره، المأسسة. كشفت محاولاته الأولى في مسألة تنظيم الكنيسة موقف آخر تجاه المرأة داخل المجتمع. فقدّم البنية البطريركيّة الهرمية للتنظيم الاجتماعيّ المهيمن إمّا من خلال تبعية المرأة للرجل في العائلة (أفسس5:21-33)، أو من خلال حظرها عن الكلام بشكلٍ عام، وتواجدها الخامل في المجتمع الكنسيّ (1كورنثوس11: 1-16، 1 تيموثاوس2: 9-14). وهذا هو سبب وجود التناقض الظاهر في رسائله الرعوية بين إعلانه الأساسيّ بشأن المساواة بين المرأة والرجل من جهة، وموقف خضوع المرأة من جهة ثانية. وبناءً على ما سبق، تقبلّت الكنيسة الأدوار المتمايزة للرجل والمرأة، عبر نتاج الزمن وترسيخ المأسسة، فقللت وحجّمت دور المرأة في المجتمع آنذاك. فالروح التي سادت في القرن الرابع لم تعكس روح المساواة للجماعة في الكنيسة الأولى، بل سادت روح البطريركيّة الهرمية. وفي كثير من الأحيان، لم تنجح الكنيسة في التأثير على المجتمع السائد وتغييره، بل على العكس، تأثرت به وتكّيفت معه. وإن تمّ الاعتراف بالمساواة بين الرجل والمرأة، إلاّ أن هذا الاعتراف أتى على أساسٍ خلاصي أخرويّ دون أن ينتقل إلى وعي وضمير التنظيم الكنسيّ. هذا التصنيف يؤكّده حقيقة وجود تنظيمٍ أخذت فيه المرأة تنافس الرجل في الحياة الروحيّة والنسكيّة خلال الحقبة البيزنطيّة. فتمّ تقييم المرأة في الفضاء الرهبانيّ، ونافست بجدارة الرجل في النسك والزهد، وتغلّبت على ضعف طبيعتها مُكتسبة فضائل "رجولية". ففي سياق الحياة الرهبانية، يتمّ إزالة الفروقات بين الجِنسين وتحقّق المرأة التكافؤ مع الرجل. فنَمت الأديرة النسائية واكتسبت مكانة وهَيبة، وخاصّة خلال الفترة النهائية لحكم الامبراطورية البيزنطية. فهل استطاعت أن تكون مجالاً فاعلاً ومخرجاً لشخصية المرأة ومواهبها؟ لكنّ الرهبنة بقيت على هامش الحياة الكنسيّة الرعائيّة محافظة على المواهب الشخصية. ومع الوقت وتدريجياً تناقصَ النشاط العام للمرأة مع إلغاء دور الشمَّاسات. وقد ترسخ التمييز القائم بين الرجل والمرأة، ودنّى دورها ومكانتها في عهد الامبراطورية العثمانية، وذلك لأسباب كثيرة منها سياسية واجتماعية معروفة. وبعد إنشاء الدولة اليونانيّة الحديثة في مطلع القرن التاسع عشر، فصلت الكنيسة أماكن مخصصة للرجال وأماكن مخصصة للنساء في المعبد معتبرةً هذا تقليدياً ومقدَساً. وتكرر موقف المؤسّسة الكنيسة اليونانيّة تجاه المرأة في القرن العشرين (خاصّة في مطلع الخمسينيات الماضية) عندما ارتكز اهتمام الكنيسة على لباس المرأة بأن يكون بسيطاً ومحتشماً "مسيحيّاً". وأخذ خطاب المجمع المقدّس يحافظ على إنتاج الموقف التقليدي تجاه المرأة في إطار مثله الأعلى ألا وهو المؤسسة البطريركيّة الهرميّة، أيّ التسلسل الهرمي وتوزيع الأدوار بين الجنسين: الرجل مسؤول عن الفضاء العام، أيّ المجتمع والدولة، والمرأة مسؤولة عن الفضاء الخاصّ، كما هو مسجّل لها في البيت كواقع اجتماعي. وقَونَن المجتمع الكنسيّ هذا الموقف، معززاً المُعطى التاريخي- التقليدي لسيادة الرجل على المرأة. في البحث عن دور مريم في المجتمع الحديث، وخاصّة بعد الحرب العالميّة الثانية، تغيّرت مكانة المرأة ببطء وثبات. فالعوامل المختلفة، كالتحضّر، ودخول المرأة في الإنتاج الاقتصادي، وفي حقل التعليم، والحقّ في التصويت، وتغيير الوضع التقليدي للمرأة، هيأت ظروفاً جديدة لمشاركتها في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية. فتولت المرأة أدواراً جديدة أدت بها إلى مراجعة مكانتها وقدرتها الإنتاجية الفعالة في المجتمع ككّل. وقد لعبت الحركات النسوية دوراً كبيراً في هذا الشأن. أدت هذه التغييرات الجديدة إلى إنهاك الكنيسة الأرثوذكسيّة، كما حال كافة الطوائف الأخرى، على الأقل، من الناحية النظرية لمكانة ودور المرأة في الكنيسة. وكان رأس الحَربة، في هذه الحالة المحدّدة، قضية كهنوت المرأة التي أثارها العالَم البروتستانتي. من ناحيةٍ أخرى، فإنَّ إعادة قراءة الكتاب المقدّس وفقاً لمعايير العلوم التفسيريّة الحديثة، وإعطاء أبعاداً جديدة في الأنطولوجيا والأنثروبولوجيا للوجه الأنثوي من خلال تجديد قراءاتنا للدراسات الآبائية، والرجوع إلى رؤية القرون الأربعة الأولى وإعادة اكتشاف التراث الذي أُهمل، لنعطي رؤية أرثوذكسيّة سليمة عن القضية المطروحة حول موضوع المرأة. ومن المعالم البارزة في هذا الصدد، المؤتمر الأرثوذكسيّ الذي عُقد في رودوس 30/10-7/11 1988، حول "مكانة المرأة في الكنيسة الارثوذكسيّة ومسألة كهنوت المرأة فيها". وفي موضوع مسألة رسامة المرأة، صادقَ المؤتمر على الموقف التقليديّ للكنيسة الأرثوذكسيّة بشأن هذه المسألة، مُشيرين إلى إعادة إحياء دور الشمَّاسات. وفي الوقت نفسه، نُوقش بشكلٍ عام دور ومكانة المرأة في الكنيسة الأرثوذكسيّة، وأكّد المؤتمر على المكانة الفريدة لدور المرأة في عملية الخلاص من خلال دور العذراء مريم، وفي الوقت نفسه أقرّ بضرورة مشاركة وتفعيل دور المرأة بشكلٍ أكمل في الحياة الكنسيّة. ومن هنا علينا أن نشير إلى أنّ تغيير الوضع التقليديّ للمرأة في المجتمع الحديث قد فُعّل بطريقة مزدوجة في الفضاء الكنسيّ: فمن ناحية، كما أشرنا سابقاً، قد أثرّ في الكنيسة بشكلٍّ عامّ بمسألة إعادة النظر في موضوع المرأة، ومن ناحية أخرى، مكَّنَّ العديد من النساء من الانخراط في الدراسات اللاهوتيّة. وإن أدى التغيير في الظروف الاجتماعية إلى زيادة نشاط المرأة في المجتمع بشكلٍ عام، فإنّنا نعتقد أنّ لاهوت الكنيسة الأرثوذكسيّة لا يعرقل أنشطة مماثلة في الفضاء الكنسيّ. ومن المؤسف، أنّه برغم تأكيد الكنيسة الأرثوذكسيّة بأنّ النساء والرجال متساوون في الوجود والكرامة والخلاص إلاّ أنَّ هذا الموقف لا يَظهر في الممارسة الكنسيّة اليوميّة. فمن التناقض، أن تجد المرأة الأرثوذكسيّة مشاركة في مراكز صنع القرار السياسيّ (في المجالس البلدية أو المحافظات أو الوزاريّة) ولا يهتمّ لصوتها أو وجودها في قرارات في مجالس الرعايا أو المطرانيات أو البطريركيات. فإذا أردنا أن نبحث عن تجارب من شأنها أن تساعدنا على رؤية مكانة أكثر توازناً للمرأة في الكنيسة، يمكننا استخدام ما هو إيجابي خارج المسيحيّة، وأيضًا، ويمكننا أيضاً أن نعود إلى التجربة المسيحيّة الأولى لنرى المكانة التنظيميّة والرعائيّة للمرأة فيها. على الكنيسة في عصرنا أن تبحث عن مواقف أكثر أصالة وأكثر "عفوية" حول دور المرأة، مستوحاة من الحالة المواهبيّة للمسيحيّين الأوائل. المشكلة الأساسية التي ظهرت في الكنيسة بشكلّ عام تكمن في الأهمية التي اكتسبتها المؤسسة الكنسيّة على حساب البُعد المواهبيّ. في كثيرٍ من الأحيان يتم اختزال قضية اجتماعية بالقول: تقليد "مقدّس" وبالتالي يصبح الأمر خجل ورهاب لمواجهتها "بحريّة". في تقليد الكنيسةِ علينا أن نميّز بين ما هو جوهري لا يتغيّر، عما هو خارجي ينتمي إلى البيئة الخارجية المحيطة، والتي تتغير بفعل التأثيرات واللغات والثقافات المختلفة. من المّميزات، اليوم، أنّ تتمّ مناقشة مكانة المرأة في الكنيسة، وذلك بسبب التغيرات الاجتماعيّة وتطور الحركات النسويّة التي دفعت المرأة إلى تحقيق وتحسين مكانتها. هناك حاجة ماسّة في عصرنا أن نضعَ كلام الرسول بولس "ليس ذكرٌ وأنثى، لأنّكم جميعاً واحدٌ في المسيح يسوع" موضع التنفيذ. يؤكّد القدّيس يوحنّا الرحيم- القرن السادس: "بأنّنا كلّنا متساوون، ويجب أن نصبح متساوين". ومن هنا علينا أن نفهم في الكنيسة اليوم وبشكلٍ أساسيّ، أن إعطاء الخدمة لمن يملك موهبة أو مواهب الخدمة. فإذا استطاعت الكنيسة بروح التمييز والإفراز أن ترى أنّ هذه المرأة أو هذا الرجل مدعو للخدمة بحسب مواهب الروح القدس فيه، إذ ذاك تستطيع الكنيسة أن تعطي خدمة لهذا الإنسان سواء كان رجلاً أم امرأة. تَستحق المرأة، صورة الله ومثاله، أن تُستعاد إلى ضمير التنظيم الكنسيّ، وهو ما يحتاج إلى نشوء حركة نسائيّة كنسيّة فاعلة تُمكّنها من اتخاذ أي دورٍ يناسبها بحسب قدرتها ومعرفتها وعِلمها وبحسب مواهب الروح القدس التي فيها وليس بحسب جِنسها. يضيق ذرعك بالكلام عن نظريّة المؤامرة. هناك «عقول» لا ينفع العقل معها. لم تتعلّم أن تفكّر ولا تريد أن تفكّر. تفضّل اختزال العالم، وما يحصل فيه، بحفنة من المعادلات اللا-عقليّة ربّما لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، هذا إذا أردت أن أكون متفائلاً. الواتساب هو الوسيلة المفضّلة كي تنشر نظريّة المؤامرة نظريّاتها. فتجد الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء وبشراً لم يحصل لك شرف التعرّف إلى وجوههم الكالحة يمطرونك بتفاصيل نظريّة المؤامرة: من اللقاح الذي يهدف إلى التلاعب بالتركيبة الجينيّة للبشر وإصابتهم بالعقر بإيعاز من بيل غايتس، وصولاً إلى الصهيونيّة العالميّة التي تريد استعباد الناس مستغلّةً الجوائح وشيفرة اللقاحات المفبركة بين سور الصين العظيم وتمثال الحرّيّة في نيويورك.
أيّها السيّدات والسادة: القلق حيال دواء جديد يُختبر للمرّة الأولى شيء والمؤامرات الكونيّة شيء آخر. حين اخترع الطبّ في الستّينات حبّة منع الحمل، قامت قيامة الناس، ولا سيّما رجال دين، وتحوّل كثر إلى أطبّاء متضلّعين: مؤامرة على الإنسانيّة هدفها الحدّ من النسل، دواء جديد يتسبّب بالسرطان، علامة من علامات انقضاء الأزمنة. معظم هؤلاء الجهابذة كانوا من الرجال. الموضوع، إذاً، مرتبط بسيكولوجيا القمع لدى الذكور ولا علاقة له بالعلم. والدراسات التي قام بها العلماء بلا كلل طوال عقود أثبتت أنّ لا علاقة بين حبوب منع الحمل والإصابة بالسرطان لدى النساء. الأثر الجانبيّ الوحيد لهذا «الدواء» هو مزيد من الحرّيّة الجنسيّة لدى بنات حواء، والسلام. تستطيع أن تكون مع أو ضدّ. ولكن هذا شيء ونظريّة المؤامرة شيء آخر. القلق حيال دواء جديد مسألة طبيعيّة، والعقاقير الجديدة تحتاج إلى التجربة والاستقراء ومراكمة الخبرات. مرّةً أخرى للتذكير: العلماء والأطبّاء ليسوا الله الآب. هم بشر مثلنا يتعلّمون من التجربة، يخطئون ويصحّحون. لا يقومون بالتجارب على البشر، ولكن لا يمانعون أن يتلقّى المصابون بمرض عضال، إذا كان محكوماً عليهم بالموت، أدويةً تجريبيّةً إذا هم أرادوا ذلك. هذه عبقريّة العقل البشريّ وعبقريّة العلم المنبثق منه. يعترف بمحدوديّته، يجاهر بأنّه لا يعرف كلّ شيء، يخطئ ويصوّب. ويحاول في كلّ هذا أن يحافظ على الكرامة الإنسانيّة على قدر ما أوتي له من فهم. وحدهم أصحاب نظريّات المؤامرة يعرفون كلّ شيء، يفهمون في كلّ شيء، ويتنبّأون بكلّ شيء. حاولت في الأسابيع الأخيرة أن أقوم بعمليّة إحصائيّة بسيطة للأشرطة الكثيرة التي وصلتني على الواتساب والتي تروّج لنظريّة المؤامرة في ما يختصّ باللقاح ضدّ الكوفيد، وذلك بالنظر إلى مصادرها. لاحظت أنّ معظمها يأتي من أشخاص ينتمون، بطريقة أو بأخرى، إلى العالم العربيّ، علماً بأنّ لديّ، بحكم وجودي في ألمانيا، شبكة علاقات واسعة تتخطّى هذه المنطقة من العالم. يضاف إلى ذلك أنّ هذه «المصادر» تشكّل في معظمها شريحةً تتراوح بين الخمسين والخامسة والسبعين بالنظر إلى المستوى العمريّ. كيف نقرأ دلالات هذه الظاهرة؟ في تقديري، معظم هؤلاء تنشّأوا في حمى فلسفة تربويّة تضطلع فيها نظريّة المؤامرة بدور حاسم: من الكولونياليّة الإمبرياليّة المتآمرة على منطقتنا العربيّة وصولاً إلى المسعى «اليهوديّ» الصهيونيّ لابتلاع كلّ شيء والسيطرة على كلّ شيء. في هذا السياق، تحضرني ثورات الربيع العربيّ. ربّما يكون هذا الربيع في نظر بعضهم خريفاً أو شتاءً. ولكنّ تغيّر المجتمعات فعل تراكميّ. وعبقريّة الربيع العربيّ، التي ستبقيه «ربيعاً» حتّى نهاية الأزمنة، تكمن في أنّ شبابه تحرّروا من نظريّة المؤامرة وقالوا للحكّام الطغاة: المشكلة فيكم، لا في «الغرب» الذي تنسبون إليه أنّه يتآمر علينا. هذا تحوّل نوعيّ في الوعي يبنى عليه. طبعاً لم نصل بعد إلى مرحلة نقد تاريخ الطاغوت في تاريخنا عبر تشريحه وإخضاع كلّ جزيئيّة من جزيئيّاته للمساءلة النقديّة. في الشرق العربيّ، مثلاُ، تلذّذنا جميعنا بكتاب «صناعة الهولوكوست» لمؤلّفه نورمان فينكلشتاين. تعاطفنا مع الباحث اليهوديّ الذي يفنّد تعامل الصهيونيّة مع المحرقة النازيّة وشعرنا بأنّه يفصح عمّا يعتمل في دواخلنا من أفكار. ولكن لم يكتب أحد منّا حتّى اليوم كتاباً عن كيفيّة استغلال الأنظمة والإيديولوجيّات العربيّة، وحتّى بعض الفلسطينيّين، لقضيّة فلسطين، من تجميع الثروات مروراً بتفلّت السلاح وصولاً إلى قمع الحرّيّات وتقويض الدولة المدنيّة وطرد اليهود من مصر وسوريّا والعراق. متى يأتي التفكيك البنيويّ لنظريّات المؤامرة التي ما زالت تفتك بنا في الاجتماع والسياسة والدين؟ هذا يحتاج إلى جهد علميّ كثير، وإلى التسليم بمرجعيّة التحليل النقديّ في السياسة والتاريخ والاقتصاد، وإلى الاعتراف بأسبقيّة العقل على النقل وحقّ العقل في مساءلة المنظومات الغيبيّة التي تختزل ازدهار المجتمعات ببركات سوف يغدقها الله على البشر من عليائه على نحو آليّ إذا هم انصرفوا إلى طاعته والامتثال لوصاياه. أسعد قطّان انعقد الاجتماع السنوي الأوّل لمجلة نيلوس (Telos Magazine) يوم الجمعة ، 15 يناير 2021 ، وجمع الكتّاب في مجلّة Telos والزميلات والزملاء أعضاء هيئة التحرير. شاركنا أفكارنا حول التحديات والفرص الحالية في جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا ، واتفقنا جميعًا عمليًا على حقيقة أن المنطقة تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى نهضة متعددة الأشكال وأن لدينا التزامًا كعلماء ومفكرين ومؤلفين وفنانين ، نشطاء ، أكاديميون ، إلخ. لإنشاء ونشر منصات الحوار، والمشاركة بنشاط في بناء مجتمعات غير إقصائيّة.
ماريَّا قباره
الثلاثاء ١٠ تشرين الثاني ٢٠٢٠ احتاجت طقوس العبادة في إسرائيل وقتاً لتنتقل من البدائية إلى مراحل متطوّرة. فكان كلّ الأفراد- الذكور- قبل النظام الموسوي، يقدّمون الذبائح شخصيّاً إلى يهوه (سفر التكوين 4:4)، ويقيمون المذابح على اسمه ويكرّسون له المكان، فيصبح مقدّساً. وصار رؤساء البيوت والقبائل يمارسون الكهنوت من الأب إلى ابنه البكر. وفيما بعد، سنَّ موسى نظام جديد، ونشأ كهنوت "محترف" في قبيلة لاوي لم تنحصر مهمته في تقديم الذبائح وإقامة احتفالات الطقوس فقط، بل في تعليم وتفسير الناموس للشعب ونقل جواب الله إليهم. وقد تحدّدت وتوضّحت طقوس شعب إسرائيل أكثر، وأُعدَّ فيها نظام طقسيّ على أسس لاهوتية متكاملة بعد أن بنى سليمان هيكل أورشليم. يكفي لمعرفة ذلك قراءة الإصحاحات التالية من سفر الخروج 30:28، وسفر الأخبار الثاني 35، وبعض الإصحاحات من سفر العدد. خضّعت العبادة اللاويّة لمفهوم "الوساطة". فوجود الكهنة أمرٌ ضروري لحفظ علاقة مستمرة لإسرائيل مع الله، وكممّثل للشعب أمامه. فلا تعترف العبادة اللاويّة بإمكانيّة الفرد أو الجماعة بدخول علاقة مباشرة مع الله أو حتّى الصلاة إليه وقبول بركته. فمبدأ الوساطة متوائم مع مبدأ الفرز ويفرضه. فالعبادة غير ممكنة إلاّ بتدّخل أشخاص مفروزين من الكهنة. وتقوم هذه العبادة في أماكن مكرّسة منفصلة كالهياكل، ضمن أعياد واحتفالات وحركات طقسية مقدّسة. ويستبعد هذا الانفصال كلّ الاشخاص والأماكن والأزمنة الدنيوية. "فالدنيوية" هنا تشكّل عائقاً في اللقاء العبادي لله. وبالتالي، يصبح الكهنة أشخاصاً من نوع آخر، أرفع من عامة الشعب. والهياكل ليست كسائر الأماكن لأنّها باتت مطبوعة بوسمٍ إلهي لا يُمس تحت طائلة تدنيس المقدسات. يسوع المسيح "العلمانيّ" في العهد القديم كان يقصد بلقب "كهنة" في صيغة الجمع اللاويّون وفي بعض الأحيان الكهّان الوثنيون. لم تعرف الأناجيل أي تقليد يصوّر يسوع في مسيرته البشاريّة في ثيابٍ كهنوتية. وتخبرنا الإصحاحات أنّ يسوع دخل إلى رواق الهيكل وليس إلى الهيكل أو قدس الأقداس. ولم يسمَّ فيها "كاهناً" بالمطلق في العهد الجديد باستثناء الرسالة إلى العبرانيّين التي تشير إلى الربّ يسوع المسيح نفسه، الذي غدا "الكاهن الوحيد" أيّ الوسيط الوحيد بين الله والبشر، فكان بذلك تمام الكهنوت. كانت الجماعة الأولى تدعو لها "شيوخاً، شمامسة، مراقبون" لم تدعو لها على الإطلاق "كهنة". ولفظة "جماعة كهنوتية" التي وردت في رسالة بطرس الأولى (2: 5-9) كما في سفر الرؤيا (1: 6، 5: 10، 20: 6)، تشير إلى جماعة المسيحييّن، وليس إلى فئة مفروزة ومختصّة بالعبادة. والتعابير: كهنوت- عبادة- تقدمة- هيكل، المستخدمة في إصحاحات العهد الجديد لا تعني عبادة منفصلة عن العالم الدنيوي، بل عبادة متجذرة في يسوع ذاته وفي كيان جموع المسيحييّن، كيان في التاريخ وكيان في العالم. وهذه التعابير استخدمت في الرسالة إلى العبرانيين كنعتٍ لموت المسيح على الصليب. وبولس الرسول نفسه يؤكّد على أنّه قام بعملٍ كهنوتي حين أعلن البشرى الجديدة للوثنييّن الذين بالإيمان أصبحوا تقدمة مقبولة مقدّسة بالروح القدس (رومية 16:15). وفي رسالته إلى أهل أفسس يشير إلى أنّ الهيكل المقدس هو كنيسة المسيح الجامعة (12:2). نقرأ في الرسالة إلى العبرانيين "واضحٌ أَنَّ ربَّنا قد طلع من سبط يهوذا، الّذي لم يتكلَّم عَنهُ موسَى شَيئًا مِنْ جهة الكهنوت" (14:7)، وهذا برهان قاطع يُبعد كلّ أصلٍ كهنوتي عن يسوع. على عكس يوحنا المعمدان، ابن الكاهن الشيخ زكريا، الذي كان ينتمي إلى قبيلة لاوي والتي يخرج منها الكهنة بالتوارث. فيسوع المسيح كان "علمانياً"، إنّ صحّ التعبير، في المجتمع اليهودي المعاصر له. وموته على الصليب كان الحدث النقيض للمقدسات إلى أبعد حدود النقض. فالمسيح المصلوب من فئة اللصوص. وعلاوة على ذلك، بالنسبة للمجتمع اليهودي، فالصليب علامة للّعنة الإلهية "لأنّ المعلّق لعنة من الله" (تثنية الاشتراع 23: 21). العبادة بيسوع المسيح إنّ يسوع المسيح، ليلة موته، احتفل مع تلاميذه بطقس الخبز والخمر إعلاناً منه بموته ذبيحة على الصليب. وهذا معنى الكلمات التي قالها ليلة العشاء السريّ عند تكسير الخبز وتوزيعه كما وتوزيع كأس الخمر: "هذا هو جسدي المقدّم من أجلكم... هذا هو دمي المهراق من أجلكم.." (لوقا 9:22-22). فالعشاء الأخير مرتبط ارتباطاً مباشراً بذبيحة يسوع على الصليب. بمعنى آخر، العبارة الطقسية ترتكز على الاحتفال بالحياة. يعيش المؤمنون الليتورجيا بطريقة رمزية وشعرية، عبادة دنيوية زمنية. إنّ عبادة المؤمنين بيسوع المسيح مؤسسة على عبادة حياة المسيح، وكليهما محتفل بهما طقسياً ورمزياً وشعرياً في الليتورجيا، وهذا ما يؤكدّه بولس الرسول في رسالته إلى رومية: "بالموت يصبح المؤمن شريكاً في موت المسيح وقيامته فيموت عن الخطيئة ويحيا حياة جديدة". يعرَّف عشاء المسيح بوضوح على أنّه ذكرى موته ومشاركة في قيامته بانتظار مجيئه الممجّد (1 كور 11: 26). ومن هنا الكهنوت المشترك بين جميع المسيحييّن هو الملوكي والأولي في الكنيسة. هو الكهنوت الأعظم. لا كهنوت آخر يفوقه، فهو يتخطى كلّ الخدمات الطقسيّة والرتب والمناصب. الجماعة المسيحيّة في العهد الجديد والكنيسة اليوم نقرأ في رسالة القدّيس بولس الرسول الأولى إلى تلميذه ثيموثاوس عن المؤهلات الروحيّة لمن يريد أن يخدم الجماعة المسيحيّة، ويكون مضطلعاً بمسؤولية عن الرعاية والتعليم وغيرها من الأمور الداخليّة الخاصّة بتنظيم الجماعة المسيحيّة الأولى (1 تيموثاوس 3). لم يذكر بولس الرسول أو غيره من الرسل والتلاميذ شيئًا عن سرّ الكهنوت أو نظام الكهنوت الحالي الممارس في معظم الكنائس المسيحيّة. ولم يُلّقبوا أنفسهم بالبطاركة أو الأساقفة أو البابوات. نقرأ عن أول اجتماع أو "مجمع" لجماعة المؤمنين في الكنيسة الأولى لمعالجة مشكلة ختان غير اليهود: "رتَّبوا أن يصعد بولسُ وبرنابا وأُناسٌ آخرونَ منْهُم إلَى الرُّسُل والمشايخ إلَى أُورشليمَ" (أعمال الرسل15: 2)، "ولمّا حضروا إلى أورشليم قبلتهم الكنيسة والرسل والمشايخ" (أع 15: 4). نلاحظ تكرار عبارة "الكنيسة والرسل والمشايخ" تأكيداً على وحدانية التعليم المسيحيّ، ووحدانية نموذج المعلّم يسوع المسيح رأس الكنيسة. لم يكن هناك قائدٌ للجماعة بمعنى الأُسقف اليوم أو البابا، بل كانت الكنيسة، أي جماعة المؤمنين، يتخذون القرارات جماعية. فالشيخ مدبرٌّ ومشرف، والشمّاس خادمٌ. وتلك الترتيبات كانت ضمن مبادئ احتاجتها الجماعة المسيحيّة الأولى لتنظيم نفسها، والعناية بأفرادها. في عهد المسيح أفرطَ الفريسيّون كثيراً في ابتكار عقائد وتقاليد وقوانين مختلفة لذا قال لهم المسيح: "أبطلتم وصيّة الله بسبب تقليدكم، يا مراؤون حسناً تنبّأ عنكم إشعياء قائلاً: يقترب إليّ هذا الشعب بفمه، ويكرمنّي بشفتيه، وأما قلبه فمبتعدٌ عنّي بعيداً. وباطلاً يعبدوني وهم يعلّمون تعاليم هي وصايا الناس" (متى 15: 6-9). فهل عادت الفريسيّة لتظهر من جديد اليوم، وتتسلّل إلى الكنيسة نفسها؟ أين كنيسة المسيح، الكائن الحيّ الذي ينمو بماء الروح القدس والحياة الأبدية التي بيسوع المسيح فتظهر ثمارها تلقائياً؟ أين هذه الكنيسة الحيّة المشتعلة بالروح القدس؟ لماذا اختفت ثمار ومواهب الروح القدس في العبادة المسيحيّة وحلّت مكانها طقوس جافّة ثابتة وشعائر دينية مبتكرة، أَلِضمان الفاعليّة والتأثير الشعبي؟ لقد عادت وظهرت الوساطة من جديد بين المسيحيّين والمسيح بواسطة الكهنوت المحترف. وقد أعيد تفسير وقراءة كثير من الأحداث التي مرّ بها التلاميذ مع المسيح على أنّهم ممثلون للكهنة فقط وليس للكنيسة كلّها وبهذا هُمِّشَ الكهنوت الملوكي؛ كهنوت جميع المؤمنين. في العهد الجديد صرنا كلّنا في المسيح ملوكاً وكهنة للآب "وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه، له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين. آمين" (سفر الرؤيا 6:1). هذا بعد أن كان الكهنوت والنبوّة حكراً على فئة خاصّة من اليهود في العهد القديم لهم مسحة الدهن كرمز للروح القدس، وينتخبون من سبطٍ ونسل مُعَيَّنَيْن "وتمسح هارون وبنيه وتقدسهم ليَكْهَنُوا لي" (سفر الخروج 30: 30). وبعد انتهاء العصر المسيحي الأول وظهور الفلسفة اليونانية التي أثرت بشكلٍ كبير على تعاليم ومعتقدات المسيحييّن آنذاك باعتبارهم أقلّية وسط الشعوب الوثنية، تأثّر المؤمنين الجدد بمجتمعاتهم الدينيّة. وكان للإمبراطور الكبير قسطنطين التأثير الأكبر على الكنيسة، فقد ساهم في إدخال مظاهر العبادة الوثنيّة والطقوس الشكليّة إلى العبادة المسيحيّة، فقام ببناء الهياكل المسيحيّة الضخمة والفخمة للمسيحييّن وتمّ تزيينها في عصره بتماثيل تمثّل آلهة وثنيين. وبالرغم من أنّ عصر الإمبراطور قسطنطين كان راحة واستقراراً من الاضطهاد، فإنّه كان له في نفس الوقت سلبياته، ومنها تحويل الكنيسة إلى مؤسسة رومانيّة. فتحوّلت المسيحية إلى مصدر إقبال للكثير من الوثنييّن الذين رغبوا باعتناق دين الإمبراطور، فأصبحوا مسيحيّين بالاسم، وهذا التأثير ما زلنا نجني ثماره حتى اليوم. ومن ضمن تأثيرات الملك قسطنطين على الكنيسة تحويل وظائف الرعاة إلى مناصب دينية رسميّة تحت رعاية الامبراطورية الرومانيّة، فأصبح لهم ملابس خاصة، ورواتب، وامتيازات كالإعفاء من الضريبة والإعفاء من الالتحاق بخدمة الجيش الرومانيّ. تدريجياً، تحوّلت الكنيسة إلى مؤسسة أكثر دنيوية وأقل حيويّة. وما حضور الامبرطور في مجمع نيقيّة، برأيي، وهذا ما يتجاهله الكثير من المسيحيّين، إلاّ ليحافظ على مملكته من الانشقاقات. وهكذا، وبمرور الوقت، طوّر القادة الدينيّون نسج ورسم شخصيّاتهم الدينيّة والتي أصبح لها نظامها الخاصّ وملابسها المميزة. فاستعاروا الكثير من العادات المتّبعة والرموز الوثنيّة الشائعة في عصور المسيحيّة الأولى كاستعمال الماء المقدّس في التطهير والتقديس، والبخور والشموع في الطقوس....الخ. وأضفوا على مناصبهم كهيئات دينيّة الأسماء اليونانيّة: كالشمّاس والأسقف ورئيس الأساقفة والبطريرك، والبابا، وطوّروا منها وظائفهم. في رسالة بطرس الرسول الأولى نقرأ: " أطلبُ إلى الشيوخ الذين بينكم، أنا الشيخ رفيقكم.." (بط 5: 1). نعود لنقول، أنّ لا فرد واحدٌ متسلطٌ في الجماعة الأولى، فقد أشار بطرس الرسول إلى نفسه على أنّه رفيقهم في الخدمة، وليس باعتباره رئيس كهنة أو أسقف أو حتى قائد للرسل. وقد وضعنا يسوع المسيح أمام القاعدة الذهبيّة بقوله: "وأمّا أنتم فلا تُدْعَوا سيدي، لأنّ معلمكم واحد المسيح، وأنتم جميعاً إخوة. ولا تدعوا لكم أباً على الأرض، لأنّ أباكم واحد الذي في السّموات" (متى 23: 8-9). لذا نجد أنفسنا اليوم متأمّلين السّلطات الدينيّة ومدى مطابقتها لكلام الإنجيل ومسيرة يسوع المسيح الذي يقول: "أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يوحنّا 10: 11). تحتاج الحياة المسيحيّة اليوم إلى إصلاح نفسها لتكون نموذجاً انجيليّاً ناظرة إلى نور المسيح وليسَ إلى سلطان العالم. فالرعاية ليست سلطان، والخدمة ليست تسلّطًا، والشركة ليست طقسًا، والروح القدس ليس زيتًا. فعبادة المسيح والمسيحييّن ميثاق تضامن وليس موقف فرز. لا نستطيع أن نكون أسيري العادات والأفكار القديمة وإلاّ سنكون عرضة لسخرية الآخرين، ومعزولين بإرادتنا عن المحيط والمجتمع. بل علينا أن نقرأ ونبحث ونخرج عن العادة والمألوف وننتج أساليب غير تقليدية للعمل والفكر ضمن إيماننا واعتقادنا بحسب فكر يسوع المسيح الخلاصيّ. كتب أسعد قطّان:
تنبسط القارّة القديمة على جمالها الذي لا يشبه إلاّ ذاته ولا يُنسب سوى إلى ذاته. تنبسط القارّة القديمة على مجاز شكسبير وصرامة إيمانويل كانط في عمارته الفكريّة وروح الشرائع في فلسفة التشريع لدى مونتيسكيو. منذ أكثر من ستّين سنة وهذه القارّة تقدّم للمسلمين الذين أتوها أفضل ما عندها، وهو ما لا تقدّمه لهم غالبيّة المجتمعات التي كانوا ينتسبون إليها والتي نسمّيها «إسلاميّة». تقدّم لهم أوروبّا شيئاً من الرخاء الاقتصاديّ وكثيراً من العدل الاجتماعيّ فيما معظم المجتمعات الإسلاميّة ما زالت تشهد، سواء في القوانين أو في الممارسة، تمييزاً فاضحاً لمصلحة الأقوياء في السياسة على حساب الفقراء والضعفاء. تقدّم لهم حقوق الإنسان والمساواة بين المرأة والرجل فيما نحن ما زلنا، في معظم المجتمعات المدعوة إسلاميّة، نربّي الأطفال على القمع، ونضطهد النساء ونبارك منظومات تشريعيّة تنتقص من حقوقهنّ المجتمعيّة والجنسيّة. والحقّ أنّنا نقوم بكلّ هذا باسم ذكوريّة تافهة تعيد إنتاج ذاتها عبر استعادة نصوص دينيّة على نحو إطلاقيّ يتجاهل تطوّر المجتمعات وحركيّة التغيّر في العقول والذهنيّات. وتقدّم أوروبّا لهؤلاء الحرّيّة، وهي قيمة متأصّلة في الكتب الدينيّة، حيث يدعو الله الإنسان إلى اختيار الخير ونبذ الشرّ، وتشكّل بالاستناد إلى الخبرة التاريخيّة أعمق ما يكوّن وعي الإنسان بالنسبة إلى ماهيّة ذاته. هذه الحرّيّة ما زالت تعتريها في معظم المجتمعات الإسلاميّة نواقص في التشريع وفي الأداء المجتمعيّ، وغالباً ما نسمع ممثّلي المؤسّسات الدينيّة يذمّونها بالاستناد إلى حجج خرقاء. كيف نفسّر الشرخ بين القيم الإنسانيّة العليا التي تدافع عنها أوروبّا وتجعلها نبراس حسّها المجتمعيّ وغالبيّة المجتمعات الإسلاميّة؟ الجواب التبسيطيّ هو أن يقال إنّ المشكلة تكمن في الإسلام ذاته. الجواب تبسيطيّ، أوّلاً، لأنّه ليس ثمّة إسلام منفصل عن المسلمين. فالدين في تمظهره المجتمعيّ يرتبط بأحوال البشر الأفراد ومخزوناتهم الثقافيّة وسلوكيّاتهم، وهذه متنوّعة ولا يمكن اختزالها. أستاذة الطبّ المسلمة ذات التوجّه العلمانيّ في بيروت تلتقي مع المتصوّف المولويّ في اسطنبول على الانتساب إلى الدين ذاته من حيث الأركان والمنطلقات. ولكنّ هناك آلاف الظلال التي تميّز إسلام كلًّ منهما في المقترب الذهنيّ والثقافة والسلوك والعلاقة مع التراث. نكران هذه الظلال أو محاولة إبطالها هما من باب التهويم الإيديولوجيّ. وجواب كهذا تبسيطيّ، ثانياً، لأنّ لكلّ مجتمع من المجتمعات الإسلاميّة حكايته مع التاريخ، وهذه الحكاية صاغته وشكّلته. تاريخ الإسلام في إندونيسيا ليس إيّاه تاريخ الإسلام في إيران. والتاريخ ينشئ اختلافاً في الوعي واختلافاً في الحسّ. من لا يلتفت إلى كلّ هذا التنوّع، يقع في فخّ جعل الإسلام مرادفاً للإرهاب والعنف. وإطلاق الأحكام التعميميّة من خارج الإلمام بالشرط التاريخيّ لا يدمّر الموضوعيّة فحسب، بل هو معرّض أيضاً لأن يغذّي سيكولوجيا عنفيّة متأصّلة في قيعان الذات الفرديّة والجماعيّة. ولكنّ نبذ الاختزال والتعميم يجب ألاّ يفضي بنا إلى تفادي السؤال. لقد آن الأوان أن ينبري المسلمون إلى تفحّص هذه المسألة بجدّيّة (وبعضهم منخرط في ذلك) عوضاً من أن ينصرفوا إلى دفاع رخيص عن الإسلام ونبيّه غالباً ما يسوق إلى تسطيح الأشياء وقذفها إلى دائرة الخطاب الشعبويّ. كيف نفسّر الافتراق بين غالبيّة المجتمعات الإسلاميّة والمنظومة القيميّة الإنسانيّة الحديثة؟ أيّ جواب جدّيّ على هذا السؤال لا بدّ له من أن يكون متعدّد الجوانب، إذ أغلب الظنّ أنّنا نتعامل مع قضيّة ذات عوامل متشابكة. ولكنّ الأكيد أنّ جزءاً من الردّ يكمن في علاقة الإسلام المأزومة بالحداثة الغربيّة. فهذه الحداثة هي التي تصنع كلّ شيء اليوم: تصنع الفكر وتصنع الثقافة وتصنع التكنولوجيا وتصنع الاقتصاد وتصنع التاريخ، بحيث يبدو الإسلام بإزائها هامشيّاً بعدما كان يمسك بناصية صنع الحضارة الإنسانيّة طوال قرون. وفق هذا المنطق، يبدو الإسلام حيال الحضارة الغربيّة أشبه بالملك المخلوع عن عرشه رغم مملكته المترامية. في هذه العمليّة التحليليّة المعقدّة الثنيّات التي يتعيّن على العقل الإسلاميّ أن يخوضها بنزاهة فكريّة وشفافيّة وانفتاح على كلّ احتمالات المساءلة والمراجعة والتصويب، لا بدّ من إلقاء البال إلى أمرين: إشكاليّة تأويل النصوص الدينيّة وإشكاليّة الحرّيّة. ما خلا استثناءات قليلة مهمّة ولكنّها قليلة التأثير على وجه العموم، تدور عمليّة تأويل النصّ القرآنيّ ونصوص التراث الإسلاميّ اليوم في حلقة شبه مفرغة. فمن يمسك بناصية التفسير والتشريع في العالم الإسلاميّ، ولا سيّما المؤسّسات والحوزات المدعوة «علميّة»، ما زال يقوم بالعمليّة التأويليّة والتشريعيّة بالاستناد إلى مجموعة من علوم الدين الموسومة بختم الماضي، وذلك في انقطاع كلّيّ عن كلّ ما أنتجته العلوم الإنسانيّة الحديثة، كالتاريخ وعلم الآثار وعلم الاجتماع وعلم النفس، من مناهج حديثة في فهم النصوص وتأويلها. طبعاً، جزء من هذه المعضلة يكمن في أنّ هذه العلوم غربيّة الطابع ولصيقة بالحداثة الآتية من الغرب. ولكنّ المسلمين في الماضي تفاعلوا مع علوم اليونان والفرس والهند ولم يقولوا: هذا منتج من خارج «الأمّة» لا يسوغ الأخذ به. فلماذا يحجمون اليوم عن المنتج العلميّ الغربيّ؟ مشكلة العقل الإسلاميّ اليوم مردّها أنّ العلوم الإنسانيّة التي أتينا على ذكرها تشكّل، من جهة، وعي كثيرين من المسلمين حول العالم. ولكن حين نأتي إلى علوم الدين، من جهة أخرى، فإنّ هذه تبدو أشبه بمنظومات ماضويّة مقفلة وغير قادرة على مجاراة العصر وما يتّصف به من تبدّلات ثقافيّة وذهنيّة. هذا الافتراق بين العلوم الحديثة وعلوم الدين ينشئ فصاماً يدفع المسلمون ثمنه فيما معظم حوزاتهم العلميّة تخشى الانزياحات إمّا بضغط السياسة أو محافظةً على سلطتها وإمعاناً في تسلّطها. المسلمون اليوم لا يحتاجون إلى «إحياء» لعلوم الدين، بل إلى تجديد لهذه العلوم عبر استلهام الإنسانيّات الحديثة، مع كلّ ما تستبطنه هذه العمليّة الجريئة والشاقّة من تبدّل في استقراء احتمالات العلاقة بين المعطى الإلهيّ والمعطى الإنسانيّ. الأمر الثاني هو قضيّة الحرّيّة. لا يقعنّ أحد في الوهم. لن يتراجع الإيمان بالحرّيّة الإنسانيّة في الفكر والتعبير. وهذه الحرّيّة مسؤولة أمام ذاتها فقط، ولا أحد يرسم لها قنوات وحدوداً لا باسم مراعاة المشاعر الدينيّة ولا بالاستناد إلى أيّ معيار آخر. فمن يكمّ اليوم الأفواه لئلاّ يشعر المسلمون بأنّ نبيّهم يهان، ربّما سوّغت له نفسه غداً أن يكمّها باسم العرق أو الجنس أو الانتماء القوميّ. هل هذا ما نريده؟ لا يلعبنّ أحد هذه اللعبة مع الحرّيّة باسم الدين والدفاع عن الأنبياء والمرسلين. فالحرّيّة كنز ثمين لا يفرّط به، والأنبياء لا يحتاجون إلى من يدافع عنهم. يضاف إلى ذلك أنّ جزءاً من هذه الحرّيّة هو نقد الدين. هذا النقد لم تخترعه الحداثة الغربيّة ولا هو لقيط الدوريّات الكاريكاتوريّة الفرنسيّة. أوّل من مارس نقد الدين كان الأنبياء ذاتهم من ابرهيم إلى محمّد مروراً بعيسى المسيح، ومن بعدهم فلاسفة ودعاة دينيّون كثر. لولا هذا النقد، لما تدرّب البشر على إقامة تمييز ممدوح بين الدين الأصيل والدين الكاذب ولظلّوا يتخبّطون في مستنقع الأسطرة وتفتك بهم دودة الخلط بين الدين والخرافة. حذار من اللعب مع الحرّيّة باسم الدين. فالتجربة التاريخيّة التراكميّة تثبت أنّ لعبةً من هذا النوع غالباً ما تكون خاسرة. وحتّى لو ربحها الدين، فإنّه يخسر ذاته، إذ ماذا يبقى من الدين إذا انتفت الحرّيّة الإنسانيّة؟ خريستو المرّ يقارب مسألة بروز الفكر الأصوليّ في الكنيسة الشرقيّةد. القس نصرالله زكريا عبيد لم يمضِ أكثر من ثلاثة أشهر منذ إعلان السلطات الصينية عن أول إصابة بفيروس كورونا المستجد (COVID-19) في ديسمبر 2019، حتى أعلنت منظمة الصحة العالمية أنَّ فيروس كورونا وباء وجائحة عالميَّة في مارس 2020، لسرعة انتشار وتفشي المرض في أكثر من بلدٍ في ذات الوقت، حتى وصلت أعداد المُصابين به إلى أكثر من اثنين وعشرين مليونًا، وما يزيد عن سبعمائة ألف متوفي، والعدد مازال في ازدياد مضطرد، مما حدا بالبعض لربط هذا الوباء المُميت بما جاء عن الفرس الرابع المذكور في سفر الرؤيا الإصحاح السادس والمُرتبط بالأوبئة. يقول الكتاب المُقدس في ذلك النص: "فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ اسْمُهُ الْمَوْتُ، وَالْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ" (رؤيا 6: 8)؛ فهل حقًا تنبأ سفر الرؤيا عن فيروس كورونا، وهل هذا الفيروس هو فارس الفرس الأخضر، والذي أطلق عليه الكتاب المقدس اسم "الْمَوْتُ"؟ وهل من علاقة بين ما يحدث الآن من حروبٍ وأوبئة بنهاية العالم؟ نُدرِك خطورة فيروس كورونا، وتأثيره المُميت والآخذ في التزايد على عددٍ كبيرٍ من الناس حول العالم. ومع أننا نُدرِك أيضًا أنَّ كل حالة موتٍ ما هي إلا مأساة، ينقسم رجال اللاهوت ومفسّرو الكتاب المقدس إلى فريقين حول ما إذا كان فيروس كورونا تحقيق لنبوة سفر الرؤيا أو على أقل تقدير نذيرٌ بنهاية العالم. وهنا استعرض نظرية كل فريق: 1) فيروس كورونا هو الفارس الرابع من فرسان سفر الرؤيا. يعتقد أصحاب هذه المدرسة أن انتشار الأوبئة دليل على اقتراب نهاية العالم، وأنَّ الفرس وراكبه المذكورين في سفر الرؤيا (6: 8)، إنما يُشيران إلى واحدة من أهم علامات نهاية العالم، التي تسبق المجيء الثاني للمسيح، وهي انتشار الأوبئة القاتلة للبشر. وفي تفسيره لهذا النص من سفر الرؤيا، يذكر هنري أيرونسايد أنَّه عندما فُتِح الختم الرابع، ظهر فرسٌ باهت يمتطيه الموت. الكلمة الأصلية تعني باهت أو أخضر أو مطلي بالكروم. لعل الترجمة الأفضل هي فرس "شاحب"، أي بلون الجثة أو الجيفة. علامَ تدل هذه الصورة؟ على وباء الطاعون، الذي كان دائماً يأتي إثر الحروب والمجاعات. ولكن التحقق الكامل لهذا إنما هو أمر قريب. ويقول مفسّرٍ آخر، إنّ راكب الفرس الأخير اسمه: "الموت" وهو الوحيد بين الفرسان الأربعة الذي يُظهر هويته مباشرة. وبشكل ملائم، يركب الموت على فرس شاحب، لأنَّ كلمة "شاحب" تُستعمل في الأدب اليوناني لتصف وجوهًا مصفَرَّة، كما لو كان ذلك بسبب مرض. وبشكل ملائم أيضًا، فإنَّ الهاوية (أي المقابر)، تتبع الموت عن كثب بطريقة غير موضَّحة، لأنَّ الهاوية تستقبل العدد الأكبر من أولئك الذين يقعون ضحيّة ويلات الفارس الرابع. وقد أدرج مايكل سنايدر فيروس كورونا في "قائمة 10 ضربات تصيب كوكبنا في وقت واحد"، وقد رتبها على النحو التالي: الضربة الأولى جيوش الجراد، والثانية أنماط الطقس الغريبة والمتغيرة، والثالثة فيضانات غير مسبوقة، والضربة الرابعة الزلازل الكبرى، والخامسة الانفجارات البركانيّة غير العادية، أمَّا الضربة السادسة فهي فايروس كورونا، والسابعة حمى الخنازير الأفريقيّة، والثامنة إنفلونزا الخنازير H1N1، والتاسعة والعاشرة إنفلونزا الطيور H5N1، H5N8. وفي حين غرَّد شخص أخر على تويتر قائلًا: "إنَّ نهاية العالم ذكرها الكتاب المقدس، حيث سيموت ثلث العالم سيموت من الوباء والمجاعة والأمراض". أكَّد إرميا جاك من موقع كنيسة الله في فيلادلفيا عن وجود علاقة لا جِدال فيها بين تفشي فيروس كورونا الأخير والطاعون المروّع الموصوف في كتاب الرؤيا. 2) فيروس كورونا وباء سينقضي كغيره. يعتقد أصحاب هذا الفكر، إنَّ كل يومٍ يمضي بنا إلى نهاية العالم الآتيّة لا محالة، وأنَّ المجيء الثاني للمسيح حقيقة مؤكّدة، علَّم بها الكتاب المقدس في نبوات العهد القديم والجديد، وكما تحقّق المجيء الأول للمسيح، سيأتي ثانية، وقد علَّم المسيح عن مجيئه الثاني عدة مرات منها ما جاء في (متى 24، مرقس 13، لوقا 21)؛ وقد أكدَّ المسيح في كل مرة يُعلِّم فيها عن مجيئه ثانيّة، أنَّ "ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ إِلاَّ أَبِي وَحْدهُ"؛ ثم يُردِف قائلًا: "اِسْهَرُوا إِذاً لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ" (متى 24: 36، 42). يكتب ج.أ وليامسون، عن الفهم الخاطئ لتعليم المسيح عن مجيئه ثانيّة ويربط هذا التعليم ببعض العلامات مثل الحروب والأوبئة وغيرها، فيقول: "إن الحروب وأخبار الحروب لم تكن من علامات المجيء الثاني للمسيح"؛ أمَّا عن الأوبئة، فدراسة بسيطة لتاريخ الأوبئة التي اعتقد مفسرو الكتاب المقدس أنها علامات على نهاية العالم، تكشف لنا خطأ هذا التفكير، فقد هاجم الطاعون الأنطوني العالم ما بين عامي 165 و180 ميلاديًا، متسببًا في موت 5 ملايين شخص؛ ثم انقضّ "طاعون جستنيان" ليقتل نحو 50 مليون شخص، أي ربما ما يعادل نصف سكان العالم في ذلك الوقت، وصولًا للطاعون الأسود الذي هاجم العالم في القرون الوسطى، فقتل أكثر من 200 مليون نسمة، وقضى على ثلث سكان أوروبا. وليست الإنفلونزا الإسبانيّة بعيدة عنا (1918)، فقد قتل فيروسها ما يقرُب من 50 مليون شخص في عام واحد فقط وأصاب ربع سكان العالم. يقول مايكل براون، الأستاذ والمحاضر في عدد من المعاهد اللاهوتيّة: "أُدرِك خطورة هذا الفيروس. لكننا نُخطئ إذا ربطنا بين نبوءات الكتاب المقدس عن نهاية العالم، وبين اعتقادنا أن فيروس كورونا هو طاعون نهاية العالم. ما أفهمه هو أنه سيكون هناك اضطراب هائل قبل نهاية العالم، لكنَّ سيكون هناك أيضًا تدفق روحي عظيم؛ وفي كلتا الحالتين، ما هو واضح بالنسبة لي أنّه لا ينبغي لنا أن ننظر إلى فيروس كورونا على أنه طاعون متنبأ به في سفر الرؤيا". أخيرًا، هل أنت جاهز؟ سواء أكان فيروس كورونا ما تنبأ عنه سفر الرؤيا في الكتاب المقدس أم لا؛ فإنَّ وجودك في زمن انتشار هذا الفيروس يُجبرك على طرح سؤالِ في غاية الأهميّة، "هل أنا مستعدٌ؟"؛ طبعًا لا أعني الاستعداد لمواجهة المرض أو تداعياته، بل هل أنت مستعدٌ للموت؟ تتعدد الأسباب وإنما الموت واحدٌ، فيمكن أن تموتين أو تموت بسبب فيروس كورونا أو لأي سببٍ أخر، أو تموت بسلام أثناء نومك، إنَّ موتك يقينيّة مؤكدة، تُخبرنا خبرتنا، والكتاب المقدس أيضًا أنَّه "وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا" (عبرانيين 9: 27)؛ انظر وتأمل، كم عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 100 عام؟ ربما القليل. ماذا عن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 150 عامًا؟ لن نجد. لقد ماتوا جميعًا، وهذا يعني أنَّ بالتأكيد سنموت يومًا ما أيضًا. السؤال الذي ينبغي علينا أن تقف أمامه هو التالي: عندما تموت، هل تعرف إلى أين أنت ذاهب؟ إذا وضعت ثقتك في المسيح وآمنت به في قلبك، واعترفت به بفمك، خلُصت، "لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ خَلَصْتَ" (رومية 10: 9)؛ وكل الذين أمنوا بالمسيح أعطاهم سُلطانًا أن يُصبحوا أولاد الله، "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ" (يوحنا 1: 12)؛ وأولاد الله لهم الوعد أن يُبرروا ولن يواجهوا دينونة الله، يقول الكتاب المقدس: "إِذاً لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ” (رومية 8: 1)؛ ولكل أولاده المؤمنين به، يقول المسيح: "أَنَا أَمْضِي لِأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً. وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَاناً آتِي أَيْضاً وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً" (يوحنا 14: 2، 3). إنَّ أفضل استعداد لفيروس كورونا هو معرفة مكانك. يقول يسوع أنك إمّا له أو ضدّه (متى 12 :30). لا يوجد منزلة بينهما. لذا إذا لم تكن قد اتخذت قرارًا بقبول يسوع المسيح كمخلصٍ شخصي لك، أشجعك على القيام بذلك الآن. ويكون فيروس كورونا قادنا إلى اتخاذ أفضل ما يضمن لنا حياتنا في المسيح، فنشدو مع بولس الرسول: “لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ” (فيلبي 1: 21). ماريَّا قباره في العقود الأخيرة قيل وكتب الكثير عن كهنوت النساء، في مساعٍ عامّة وخاصّة مع هذا الموضوع المعاصر المثير للاهتمام. وكلّ الكنائس التي ترفض رسامة النساء أو سيامتهنّ الكهنوتيّة تواجهها تحدّيات اجتماعية وتساؤلات كثيرة عن الأسباب الأساسيّة التي تحول دون رسامة النساء. وفي هذا المقال سوف أعرض هذه المشكلة باقتضاب من وجهة نظر أدبيّة وتاريخية واجتماعية ولاهوتيّة. يقول اللاهوت العقائديّ أنّ الكهنوت أحد أسرار الكنيسة السبعة. وهذا الترقيم جاء من زعيم المدرسة الغربيّة توما الإكويني. وبعد القرن 14 سمحت الكنيسة الأرثوذكسيّة بشكل غير مباشر بانتشار هذا الترقيم، وفيما بعد فُرض بشكلٍ أساسي في اللاهوت الأكاديميّ. وقد جاءت التحليلات اللاهوتيّة الأكثر نضجاً عن الأسرار في عَملين لنيقولاوس كاباسيلاس: (الحياة في المسيح، وتفسير القداس الإلهيّ). يقول: لا يوجد، بالطبع، أي تلميح لترقيم الأسرار المقدّسة. بل على العكس من ذلك، يشدّد كاباسيلاس على أنّ جسد الكنيسة بكليّته يشار إليه في الأسرار المقدّسة. بمعنى آخر، الكنيسة ذاتها كجسد، في اجتماعها، هي حياة أسراريّة، مشاركة في مجد الملكوت الإلهيّ. الكنيسة تُستعلن بالأسرار. ولا يمكن لسرّ من الأسرار المقدّسة أن يكون مستقلاً بذاته، طالما أنّ الأسرار هي أعضاء وليست أجزاء في الجسم الكنسيّ. في تبنّي لغة وظائف أعضاء الجسم البشريّ، تصبح المعمودية ولادة، والميرون حركة، وسرّ الشكر الإلهيّ غذاء. لا يستطيع أحدٌ أن يتحرك ويتغذّى ما لم يُولد! لذلك، فإنّ ترقيم الأسرار في عدد محدود يعني العزلة أو استقلال أحد الأسرار، وبالتالي هذا يجرّ إلى فكرة أنّ الأسرار ميكانيكية أو سِحرية. الأسرار هي طقوس دينيّة تعبّر من خلالها الكنيسة عن خبرتها الروحيّة العميقة. وقوام هذه الخبرة هو التقاء الإنسان بالله من خلال شخص يسوع المسيح الذي يستمرّ حضوره في الكنيسة على مدى الزمن. وكلّ من الشمامسة والكهنة والأساقفة يؤدّون طقوس الأسرار كخدّام لهذه النعمة المعطاة، ومن خلال وضع اليد واستدعاء الروح القدس يتقبلون مواهب هذه الخدمة. بعبارة أخرى، في الكنيسة الأرثوذكسيّة لا يوجد كهنوت أسراري أو نظام كهنوتي كما في العهد القديم، لأنّ المسيح وفق العقائد المسيحيّة قد ألغاه، وكما ينصّ العهد الجديد فإنّ المسيح قد غدا "الكاهن الوحيد" أيّ الوسيط الوحيد بين الله والبشر، فكان بذلك تمام الكهنوت. وكلّ أعضاء الكنيسة يشتركون في كلّ الأسرار المقدّسة، وهذه المشاركة ضروريّة لأداء طقس السرّ (على الأقل وجود شخصين أو ثلاثة). هذا هو معنى الكهنوت الملوكيّ، أو كمصطلح جديد- للأفضل أو للأسوأ- هو الكهنوت العام. لقد ساد تقليد طويل الأمد في استبعاد المرأة عن الكهنوت. وهذا الاستبعاد تمّ بشكل غير مباشر وتدريجياً عبر التاريخ دون تشريع عقائديّ أو لاهوتيّ. وإذا وقع نظر أحدهم على قوانين تمنع المرأة من بعض الممارسات الكنسيّة، عليه أن يعرف أنّ تلك القوانين كانت للعلماني بشكلٍ عام وليس للمرأة بالتخصيص. ومع هذا، فهناك الكثير من الشواهد القانونيّة كانت المرأة فيها تمارس الكثير من الطقوس الكنسيّة: كدهن المرأة بالميرون المقدّس بعد المعموديّة، كتكريس المرأة لدرجة الشمّاسيّة ووضع اليد عليها واستدعاء الروح القدس، وسماح للمرأة بدخول الهيكل والتناول كما الشمّاس من الكأس المقدّسة. هذه الممارسات وغيرها عديدة مطروحة في نصوص تعود إلى القرنين الثامن والتاسع، وقد توقفت هذه الممارسات الطقسيّة الخاصّة بالنساء بسبب الظروف الاجتماعية التي سادت في الشرق فتغيّرت. كان حضور المرأة في نصوص العهد القديم والجديد لافتاً، نذكر منهنّ دبورة المرنمّة، وكانت نبيّة وقاضية لإسرائيل. وكانت تدعى "أمّ اسرائيل". وأيضاً، ياعيل التي غرست الوتد في صدغ سيسيرا، قائد جيش يابين، فقتلته (قض 4: 21) وكانت ملقبة ب "المباركة في النساء". وأيضاً، هناك راعوث، جوديث، أستير ...الخ. إنّ النغمة الأموميّة مهمّة كإمرأة سفر الرؤيا ليوحنّا الانجيليّ "التي تحيط بها الشمس مع الاثني عشر نجمة على رأسها" (12:1-2). ومع العذراء مريم تحقّق الرجاء المسياني للخلاص، وجذّرت بعمقٍ تلك الثقافة الأموميّة والتي نرتلها في أبيات المديح. إنّ التطوّر في الحياة الكنسيّة قد أخفى دور ومكانة العلمانيّين بشكلّ عام، وليس دور المرأة فقط. فتلك الفترات التي ارتبطت بالمعاناة والضيق سيطرت فيها الحركات الرهبانيّة على كلّ من الحياة الفكريّة والروحيّة والاجتماعيّة في الكنائس الأرثوذكسيّة في كلّ مكان، فأصبح الراهب هو الأسقف وهو الكاهن. وأيضاً، في زمن الاضطهاد، كاد أن يختفي الكاهن المتزوج من الكنيسة. أُفسد العالم القديم بانشغاله وتأثّره بقول ترتيليانوس بأنّ "المرأة هي باب الجحيم"، ولم يلتفتوا إلى الاحتجاج القويّ الذي قاله القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ بأنّ "الرجال هم المشرّعون لقوانين ضدّ المرأة". أهملت الكنيسة الأرثوذكسيّة، إلى حدٍّ كبير، ما تصرح به القوانين الكنسيّة كقوانين الرسل وقوانين هيبوليتس وكتابات الآباء عن اللاهوت. ولهذا علاقة أساسيّة بوضع خدمة تقوم بها المرأة في الكنيسة. ولا يجب أن تُعطى خدمة للمرأة على أنّها إمرأة فقط، بل لأنّها عطية الروح القدس للجماعة. فالخدمة في الكنيسة تُعطى لمن يملك مواهب الخدمة، وإلاّ تصبح خدمة المسيح مؤسَسة على نظام بيروقراطي بعيد كلّ البعد عن النظرة المواهبيّة الخاريزماتيكية. فبروح التمييز والإفراز تعطي الكنيسة خدمة لهذا الإنسان، رجلاً كان أم إمرأة، دون الالتفات إلى نوع الجنس وما إليه. "ليس رجل أو امرأة، عبد أو حرّ" كما يقول الرسول بولس وإنّما تمايزٌ في الوظائف. وكما ذُكر أعلاه، استبعد التقليد الكنسيّ المرأة من الكهنوت دون تطوير أو وجود إثبات لاهوتيّ ذي صلة. ومن هنا نفهم مدى الإحراج الذي يقع فيه بعض دارسيّ اللاهوت اليوم، والذين يحاولون في هذه الحالة تبرير هذا الإقصاء مستندين إلى الأسباب التالية:
وأخيراً، وليس آخراً، لا شيء أقوى من تقليد الكنيسة. وبالتالي، ليس هناك من حاجة لمثل هذه الحجّج المتناقضة والمماحكات الهذيانيّة على الإطلاق والتي تقلل من دور ومكانة المرأة كعضوٍ في الجسم الكنسيّ. لا يمنع العهد الجديد النساء من ترجمة هبات الروح القدس على أرض الواقع، فهنّ مدعوات كما الرجال إلى خدمة الآخر وإظهار ثمار الروح والتبشير بالإنجيل. إقصاء المرأة من الكهنوت لم يقلل ولن يقلل من الحياة المواهبيّة في الكنيسة. ومع ذلك، لا يريد أحد أن يواجه هذه التغييرات السريعة المتفجرة في المعطيات التاريخيّة، ويرتقي لخطاب كنسيّ يجيب على أسئلة مشروعة يطرحها المؤمنون والمؤمنات والمخلصون والمخلصات لكنيستهم المقدّسة. برأيي الشخصّي إنّ الكنيسة الرومانية، عاجلاً أم آجلاً، ستتبنى كهنوت النساء. ماذا ستفعل حيال ذلك الكنيسة الأرثوذكسيّة؟ ما يجب أن تفعله هو الاستعداد، ليس بمثل هذه الحجج المتأرجحة الواهية، بل بالتنظيم المجتمعيّ لحياتها، حيث يعمل كلاً من الرجل والمرأة في مساواة وتكافؤ كاملَين، مع قطف ثمار الحياة المواهبيّة وتنمية الثقافة والتعليم. فلا حجج لاهوتيّة واضحة ومثبتة تمنع شموسية أو كهنوت المرأة ، وتكمن العوائق في تلك النظرة السلبيّة تجاه المرأة والتي نمت وترعرعت في هيكليات المجتمع الأبوي الذكوري وذهنيته وبيئته الثقافية مما طمس حدّة الإنجيل وجدّته. وعليه، علينا أن نعمل بلا توقف على تطوير نوع العقليات الخاطئة والسائدة في الكنيسة وعلى التحرّر من الموروثات التي تعيق تقدّم الإنسان، رجلاً كان أم امرأة، ليتمكن من عيش المسيحيّة الحقيقيّة، ومن التمتّع بالمواهب الجديدة المعطاة بالروح القدّس للمؤمنين والمؤمنات، وأن نكون كما الكنيسة الأولى شهوداً لعصرنا. الثلاثاء ٢٩ أيلول ٢٠٢٠
خريستوالمرّ "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" جملة طالما أسيء فهمها وفُسِّرَت على أنّها تعني أنّ المسيحية ديانة "روحيّة" لا كلمة لها تقولها في سياسات " الأرض". بالطبع هذا التفسير هراء عندما نتذكّر أنّ الإيمان المسيحيّ قائم على تجسّد كلمة الله في هذا العالم، بحيث أنّ هذا العالم صار في قلب الألوهة بعد القيامة. يستفيد من هذا الفكر الفصامي بين الأمور "الروحيّة" والأمور "الدنيويّة"، المنافقون والمستغلّون والمجرمون والديكتاتوريّون أيّما إفادة: فليتصرّف الإنسان بحسب ضرورات هذا العالم (و"الضرورات" مفهوم مطّاط) بينما يؤدّي في الوقت عينه واجباته "الروحيّة" التي تُختصر على أنّها اتّباع الطقوس. من آمنوا بيسوع يمكنهم أن يميّزوا بين الأرض والسماء ولكنّهم لا يفصلون بينهما، فالحياة هي كلّ واحد، وطريقة الحياة التي دعا إليها يسوع هي طريقة المحبّة، طريقة الحياة الإلهيّة، ونبّهنا أنّنا نمتلك كلّ الطاقات الضروريّة ("صورة الله") لكي نحياها. يتّفق العديد من المتأمّلين في جملة يسوع "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"على أنّها تعني أنّ هناك أولويّة لملكوت الله على ملكوت قيصر، وملكوت قيصر هو كلّ سلطة أرضيّة. يسوع بكلماته هذه حرّر الضمير الإنسانيّ من أن يستعبد نفسه لسلطة أرضيّة، ودعا كلّ إنسان أن يتحلّى بالشجاعة الروحيّة كي يحكم على ما تقوله وتفعله كلّ سلطة بناء على متطلّبات الحياة مع يسوع؛ فيرفض، مثلاً، كلّ قول وتفكير وفلسفة وحزب وقياديّ يدعو لتفوّق عنصريّ أو للعنف ضدّ الناس، ويرفض القيام بالتعذيب أو السكوت عنه، ويرفض أن يطلق النار على متظاهرين، ويرفض طاعة سلطة تنهب شعبها أو تقمعه، ويرفض كلّ دعوة من رجل دين للقبول بالظلم. في لبنان اليوم نحن بحاجة للعودة إلى جملة يسوع هذه بالذات ليحرّر الناس أنفسهم من سلطة «قيصر»، وقيصر اليوم هو في جمعيّة المصارف، وفي حاكميّة مصرف لبنان، وفي مجلس النوّاب، وفي مجلس الوزراء، وفي القصر الجمهوريّ، وفي رجال دين، وفي أساتذة جامعات وخبراء مرتزقة "يحاربون" لمن يدفع أكثر. هذا الصراع من أجل أن نتحرّر من سلطة «قيصر» ينبع منه وقوفٌ إلى جانب الحقّ، وهو ما يجعلنا في صدام مع النفاق، ليس لأنّ الإنسان يحبّ الصدام بل لأنّ المنافقين يكرهون الواقفين مع الحقّ، وقد كرهوا في كلّ زمنٍ أنبياءه، واضطهدوهم. ولهذا كان يسوع واضحًا "لا تظنّوا أنّي جِئْتُ لأُلقي سلاما على الأرض... إنّي جئت لأفرّق الإنسان ضدّ أبيه، والابنة ضدّ أمّها، والكنّة ضدّ حماتها. وأعداء الإنسان أهل بيته. من أحبّ أبًا أو أُمّا أكثر منّي فلا يستحقّني، ومن أحبّ ابنًا أَوِ ابنةً أكثر منّي فلا يستحقّني". كلمات مخيفة لكلّ بُنى سلطويّة يقولها السيّد فينسف بها كلّ سيطرةٍ، كما كلّ استكانة. كلام يسوع يعني أنّ يرفض الإنسان اتّباع كلّ خطّ سياسيّ وفكريّ طائفيّ أو عنصريّ أو مُلحق بالزعيم أو لا هدف له سوى دعم من ينهب البلاد، أو دعم من فشل من إيقاف نهبها، أو لأنّ أباه وأمّه وأخاه وأخته وأصدقاءه أو ابنه وابنته يتّبعونه، أو لأنّه سيشعر بالحرج وبالضيق وبالصراع وربّما سيشعر بالخزي وبالنبذ إن عارض الأهل والأصدقاء في مواقفهم. ولهذا بالضبط قال يسوع فورا بعد جملته الأخيرة "مَنْ لا يحمل صليبه ويتبعُني فلا يستحقّني". اتّباع الله صليب بالضرورة، ليس لأنّ الله يحبّ التعذيب بل لأنّ المنافقون وأتباعهم من فاقدي البصيرة يكرهون الحقيقة. إنّه لأسهل على الإنسان أن يبقى عبدا من أن يتحرّر. الحرّية صليبٌ وشيءٌ من فقدان الذات القديمة، الذات التي تلطّخت بالعبوديّة للزعيم والسياسي والمصرفيّ والعائلة والأصدقاء ولهذا أيضا قال يسوع "من وجد حياتها يضيّعها، ومَن أضاع حياته من أجلي يجدها" أي من ظنّ أنّه وجد حياته باستعباد ذاته لقياصرة هذا العالم، قياصرة العائلة والمجتمع والدين والسياسة، يكون قد فقدها ومن شعر بأنّه يخسر كلّ شيء لاتّباعه ضميره (ويسوع في ضميره) في الحقيقة يكون قد وجد ذاته، وهذا من أعظم ما يمكن لإنسان أن يحقّقه. يسوع أتى وقيصر ينازع، أن يكون الإنسان مع يسوع أمرا يتطلّب الشجاعة، شجاعة أن نخلع الإنسان العتيق لنصبح أناسًا جُددًا، ونصبح معًا وطنًا جديدًا. |
Telosقضايا حاليّة أرشيف
|