Dr. Harry Hagopian
It’s the same world as the one into which Jesus came - in so many ways a place that can drive us to despair or rage, and yet now and forever a world in which God is real, so that neither rage nor despair can be the only or the ultimate option for us - Dr Rowan Williams, friend & former Archbishop of Canterbury, Jordan, 2010 Some two weeks ago, when President Jo Biden embarked upon his tour of the MENA & Gulf regions, visiting Jerusalem, Bethlehem and Jeddah, I decided to reprise my own decades-long Middle Eastern odyssey by juxtaposing these inspiring words of faith from a theist of deep conviction and outreach with the belief system of Jean-Paul Sartre, perhaps the ultimate atheist and celebrity philosopher. In one sense, both men hold out for me a same note of encouragement toward peace-seeking and non-violence throughout our global village let alone toward a Middle East and North Africa region that is riven with violence, hatred, injustice, discrimination, corruption, nepotism and wars. After all, Sartre was a man who provided the French people with a compass for some direction and hope during WWII. Not unlike Archbishop Rowan in the midst of so much present-day uncertainty, diffidence and fear.
So what about Israel-Palestine today, following President Jo Biden’s visit, as a case of the future overtaking the past?
Let me go back to the beginning in order to conclude with J-P Sartre and Dr Rowan Williams. Whilst they were perhaps ideological antipodes, they understood nonetheless this transparent reality. They encouraged us to overstep our narrow-minded realities by engaging with the future. So my challenge for politicians and readers alike today is to decamp from their fusty political cubicles and mull over an ancient Roman saying Tempus edax, homo edacior in the hope that they might - just - prove that Victor Hugo was wrong when he claimed that “Time is blind, man is stupid” in his The Hunchback of Notre Dame in 1831. It is not easy, but can we overstep our past, refresh our today and avoid being governed by rage or despair? Or are we handicapped by our blinders and traumatised by injustices to try even? Is that not also a definition of a quicksand? After all, our future might depend on our faithful answer. So let me leave you - dear Telos reader - with an admission by the French novelist Anaïs Nin who wrote tellingly, “We do not see things as they are, but as we are.” © harry_bvH July 2022 Dr Harry Hagopian is an International lawyer who is also involved in a range of ecumenical & political consultancies. He is Knight of the Orders of St Gregory & St Lazarus, Fellow at Sorbonne University and Associate at the Ekklesia think-tank. For the past decade, he was Consultant to the Catholic Bishops’ Conference of England & Wales as well as to the Armenian Orthodox Church in the UK & Ireland. Earlier, he worked with the Middle East Council of Churches in Limassol, Beirut & Jerusalem.
0 Comments
يُعتبر العهد الجديد، بالوقت عينه، عهدًا متمّمًا وفاصلاً للعهد القديم، ليس فقط على مستوى العقيدة والشرائع المسيحيّة، بل، أيضًا، على مستوى الرؤية الأنثروبولوجيّة للإنسان، لا سيّما في ما يتعلّق برؤية يسوع للمرأة. فعديدة هي الآيات الإنجيليّة التي تناولت المرأة في كيانها الإنسانيّ والمجتمعيّ والحقوقيّ. ولعلَّها تُفصح لنا عن موقف يسوع النموذجيّ منها. إذ إنَّه، نظرَ إلى النّساء نظرة احترام وتعاطف واحتضان، متخذًا حيالهنَّ موقفًا يدعو إلى الدهشة؛ موقفًا جعلَ التقاليد السّائدة تنعكس وتنقلب مُلغية الحَظر عن النواهي إلى درجة صَدم فيها بيئته وخصوصًا تلاميذه أنفسهم. وهذا ما سنتحدّث عنه عبر لقاءاته مع النّسوة اللّواتي اِستعدن معه مكانتهنَّ في العهد الجديد. فتحرير المرأة، الّذي سعى إليه يسوع، هو تحرير جذريّ يتخطّى استعادة حقوق مهدورة أو كرامات مجروحة، لا بل إنَّه تحرير للكائن البشريّ في عمقه؛ تحريرٌ شبيه بإعادة الخلق. فكأنّي بيسوع محرّر المرأة يعيد خلقها من جديد، صائرًا بذلك مصدر وجودها وأساسه. حتّى نفهم هذا الواقع اخترنا في مقالنا هذا بعض الأمثلة من العهد الجديد. أمثلةٌ تتحدَّث عن نساء التقى بهنَّ يسوع، وكانت له الكلمة الأخيرة في انتقالهنَّ من حالٍ إلى حالٍ أفضل، من المرض إلى الصحّة، ومن الخطيئة إلى النّعمة. بعض هؤلاء النّسوة امتزن بأمانة صادقة وإيمان عظيم، لم يشهد يسوع مثيلاً له في اسرائيل كلّها. وبعضهنَّ الآخر امتاز بمحبّة عميقة وبطوليّة رائعة. نبدأ من واقعة نقلها لنا الإنجيليّ متّى حول أسباب الطّلاق في اليهوديّة، إذ أجاب المسيح سائليه بما يلي: "إنَّ موسى من أجل قساوة قلوبكم أَذِن لكم أن تطلّقوا نساءكم. ولكن من البدء لم يكن هكذا" (متّى 8:19). في هذه الآية يتابع يسوع تعديلاته على التشريعات اليهوديّة، موضحًا فكرة أنَّ التدبير الإلهيّ يتطوّر مراعيًا قساوة القلب البشريّ. إنَّ المتمعّن في قراءة العهد الجديد، لا بدَّ له من أن يستنتج أنَّ يسوع يظهر كمصلحٍ للعهد القديم. غير أنَّ إصلاحه هذا يحافظ، في كثير من الأحيان، على بعض تعليم العهد القديم. حتّى نفهم هذا الإصلاح، لا بدَّ لنا من العودة إلى متن الآيات الإنجيليّة. ففي إنجيل لوقا، يقوم الرسول، على سبيل المثال، بمقارنة شخص العذراء مريم، أيّ حواء الثانية، بشخص حواء الأولى، لا سيّما في حديثه عن البشارة. نقرأ في هذا الإنجيل أنَّه عندما أتى الملاك جبرائيل مبشّرًا العذراء مريم بالحبل بعمانوئيل، أطاعت مريم مشيئة الله قائلة: "ها أنذا أمة للربّ، ليكن لي حسب قولك" (لوقا 38:1). يعيد جوابُها هذا دَين المعصية عند حواء الأولى. فإذا كانت المرأة قد جاءت من الرجل في سفر التكوين فها هو آدم الجديد، أي يسوع في العهد الجديد، يأتي من المرأة. المرأة في الأناجيل وأعمال الرسل من وجهة نظر اجتماعيّة، كان يسوع جريئًا في التّعامل مع المرأة. ولعلَّه كان ثوريًّا فيما يتعلّق بقضيّتها في عصره. فمن الأمثلة الواضحة على هذا الطرح حواره مع المرأة السامريّة، الذي أثار دهشة تلاميذه لكونه يتحدَّث ليس فقط إلى سامريّة بل، أيضًا، إلى امرأة (يوحنّا 1:4-38). وبمتابعتنا قصّة يسوع والمرأة السامريّة نجد أنَّ في الكتاب المقدَّس ليست هذه المرّة الأولى التي يتمّ فيها لقاء مهمّ بين رجل وامرأة قرب بئر الماء. فهناك لقاء رفقة بالخادم الذي أرسله إبراهيم (تكوين 10:24-26)، ولقاء يعقوب براحيل (تكوين 10:29-12)، ولقاء موسى بابنة كاهن مديان (خروج 15:2-17). لكنَّ لقاء يسوع بالسامريّة هنا اختلفَ عن كلِّ ما سبق في العهد القديم. لذلك استغربت السّامريّة طَلب يسوع قائلة: "أنت يهوديّ وأنا سامريّة، فكيف تطلب منِّي أن أسقيك؟" (يوحنّا 9:4). ونحن نعرف من الكتاب المقدَّس أنَّ اليهود لا يخالطون السامريّين. فهناك عداوة متأصّلة منذ أربعة قرون تقريبًا. فعندما شيَّد السّامريّون هيكل جرِزيِّم قبالة هيكل أورشليم حوالي عام 332 ق.م. كان اليهود يعتبرون السّامرييّن أكثر شرًّا من الغرباء وعبدة الأوثان. وهم يمثّلون شيعة مكروهة جدًّا لأنَّها شوّهت وأفسدت أثمن ما في الديانة بسبب الانحراف إلى عبادة آلهة كثيرة. وأيضًا، كان السامريّون يعامِلون اليهود بالمثل، يظهرون لهم الكراهية والضغينة ويرفضون ضيافتهم عند مرورهم في بلادهم زمن الفصح (لوقا 52:9-53). بحسب المفهوم اليهوديّ، إذًا، تتجمّع في شخص السّامريّة ثلاثة أسباب توجب يسوع أن يبتعد عنها في الحوار معها:
لقد قبلَ يسوع، أيضًا، بين أتباعه نساء عديدات، كان المجتمع ينبذهنَّ آنذاك، كالمرأة التي ضُبطت في الزنى (يوحنّا 1:8-11). لقد تحدَّى يسوع فيها قساوة الشّريعة الّتي كان يبديها مجتمعه اليهوديّ حيال المرأة. يُخبرنا الكتاب المقدَّس أنَّ الكتبة والفريسيّين أتوا بامرأة فيما كان يعلّم يسوع في الهيكل والشّعب مجتمع حوله، وأقاموها وسط حلقة وقالوا ليسوع: "يا معلّم، إنَّ هذه المرأة أُخذت في الزنى المشهود، وقد أوصانا موسى في الشريعة برجم أمثالها، فأنت ماذا تقول؟" (يوحنّا 4:8-5). لقد أرادوا من وراء ذلك أن يحرجوه، فإمَّا يناقض خطَّ الرحمة الذي اعتمده خطًّا له، أو يخالف شريعة موسى أمامَ المتشدّدين في تطبيقها من كتبةٍ وفريسيّين فيمنحهم بذلك ذريعة ليعتبروه كافرًا ومشجّعًا للزنى، وتاليًا مستحقًّا هو نفسه الموت "لأنّ الله أغلق على الجميع معًا في العصيان، لكي يرحم الجميع" (رومية32:11). لقد أُمسكت المرأة في زنى، أمّا هم فيفعلون الأمر نفسه في الخفاء. إنّهم يحافظون على الظّواهر، وعلى أهدابِ الثّياب العريضة، كما يبيّن ذلك الانجيلي متّى تفصيلاً: "الويل لكم أيّها الفريسيون المراؤون..." (متى 1:23-33). ولذا كان يسوع حاداً جدًا نَحوهم. إنَهم يكذبون على الله ولكنّ الله يرى في الخفاء. لقد تذرّع الفريسيّون بناموس موسى ليُمسكوا المرأة ولكنّ يسوع انحنى يكتب على الأرض دلالة على أنّه لا يأبه لمؤامرتهم، ولمّا بكّتهم ضميرهم، إذ جابههم يسوع بالحكم الحقاني الذي يتخطى حكم الناس. إنَّ التحامل على المرأة واعتبارها أصل الشرور كان باديًا، بشكل واضح وجليّ، في هذه الحادثة. فشريعة موسى، الّتي يستند إليها الكتبة والفريسيّون، كانت تنصّ على: "في حال رجل فعلَ الزنى مع امرأة متزوجة، أن يرجم الفاعلان" (لاويّين10:20؛ تثنية الاشتراع 12: 22)، وليسَ المرأة وحدها. والمرأة هذه أُخذت في الزنى المشهود كما ورد أعلاه. فأين صاحبها؟ لقد تخلّى عنها، تركها تواجه العقاب وحدها، وكذلك تواطأ معه الرّجال الذين قاموا بالمداهمة فتركوه يمضي واحتفظوا بالمرأة، وكأنَّ الوِزر يقع عليها وحدها. أليست هذه العقليّة سائدة حتّى الآن؟ ألا يقولون: "فتّش عن المرأة"؟ ألا يعتبر زنى الرجل المتزوّج ذنبًا يمكن التغاضي عنه، في حين أنَّ زنى الزوجة جريمة لا تغتفر؟ ألا تُلقى المسؤوليّة كلّها أو جلّها على الفتاة وحدها في حال حملت خارج الزواج أو حتّى في حال تعرّضها للاغتصاب؟ وفي حال إقدام امرأة على الخيانة الزوجيّة، هل يسأل أحد عن طبيعة معاملة الزوج لها والتي دفعت بها دفعًا إلى الخيانة؟ كلّ هذا واجهه يسوع عندما رُفعت تلك المرأة إليه من قبل القائمين على الشريعة. اتّخذوا من خطيئة المرأة ذريعة ليتحوّلوا عن مواجهة خطيئتهم الشخصيّة، ويمنحوا أنفسهم شهادة تبرير يستمدّونها من تمسّكهم بحرف الناموس، وحرصهم على تنفيذ أحكامه بحذافيرها بحقّ من اتّخذوها كبشًا للفداء. هذا ما أراده يسوع أن يلفتهم إليه عندما قال لهم: "من منكم بلا خطيئة فليتقدّم ويرجمها بحجر" (يوحنّا 7:8)، وأكبَّ يكتب على الأرض ليدع لهم مجال العودة إلى نفوسهم ومحاسبتها. وهكذا انسحبَ المتّهِمون الواحد تلو الآخر بعد أن انكشفت لهم حقيقتهم وتركوا المرأة وحدها في مواجهة يسوع الذي وقفَ إلى جانبها في وجه تسلّط الرجال وظلمهم "فالأكثر إحساسًا بخطاياه يغادر أولاً". وقفَ معها رغم خطيئتها، فهو لم يكن مع خطيئتها لأنَّ الخطيئة هي عدوّة لها تؤذي إنسانيّتها. "أنا لا أحكم عليك (...) اذهبي ولا تعودي إلى الخطيئة" (يوحنّا 11:8). لقد ألقى يسوع الضوء في حالة هذه المرأة الزانية على مسؤوليّة الرجل وأدان الفعل وليسَ الإنسان. أمَّا قصّته مع المرأة النازفة الدم، ومغفرة خطيئة المرأة الّتي دهنته بالطيب في بيت سمعان الفريسيّ، فما هما إلاَّ تعبيران صريحَان على طرحنا بأنَّ يسوع عملَ انقلابًا جذريًّا في التّعامل مع المرأة. لم يتردّد يسوع في إبداء إعجابه علنًا بإيمان المرأة الكنعانيّة، في حين أنَّ المجتمع اليهوديّ آنذاك كان يهمّش المرأة حتّى دينيًّا. فقد قالَ علنًا للمرأة الكنعانيّة الوثنيّة: "ما أعظم إيمانك أيّتها المرأة" (متّى 28:25). نورد، أيضًا، نماذج عدَّة لنساء تبعن يسوع في الخدمة كما يخبرنا الانجيليّ لوقا (1:8-3). فيسوع قبِل بنساء قدّيسات (لوقا 1:8-3؛ متّى 1:25-13)، واعتمد، أيضًا، على كثيرات منهنَّ في خدمته (يوحنّا 26:19، 17:20)، إذ لم تقتصر هذه الخدمة على تقديم شيء من أموالهنَّ فقط، بل كنَّ أساسيات في عملِ الجماعة المسيحيّة الأولى. تجدرُ الإشارة في هذا السّياق إلى أنَّ يسوع اتّخذ المرأة نموذجًا في الكثير من الأمثال، كمثل الدرهم الضائع (لوقا 8:15-10)، ومثل العذارى العاقلات (متى 1:25-13)، وفلس الأرملة (لوقا 2:18-8). وسمَّى يسوع، أيضًا، لنفسه "إخوة وأخوات" (متّى 22:9؛ مرقس 34:6)، وتعامل في تعليمه وعجائبه مع المرأة مثلما تعامل مع الرجل. هنالك أمثلة عديدة تشهد على صحة هذا القول، ولعلَّ أهمّها، أيضًا، دور النسوة في اللّحظات الحرجة من حياة يسوع، لا سيّما عند صلبه. ففي حين تركه الجميع بمن فيهم تلاميذه عند الصّليب، يتحدَّث الإنجيليّون عن بعض النّسوة اللّواتي رافقن السيّد وقد تراءى لهنَّ، أوّلاً، بعد قيامته (مرقس 1:16-8). توضح هذه الأمثلة كلّها الأدوار الفريدة والاستثنائيّة التي قامت بها النّساء في عمل المسيح. احتلّت المرأة، أيضًا، موقعًا مهمًّا في حياة الكنيسة الأولى. إذ كان الاجتماع يتمّ في بيت مريم، والدة مرقس (أعمال 12:12)، حيث كانت الجماعة المسيحيّة "تواظب على الصلاة بنفس واحدة والطلبات مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته" (أعمال 14:1)، وقد عرفت الجماعة المسيحيّة دورًا حيويًّا للمرأة بعد العنصرة. أمام هذا الواقع الراهن واستمرارية طرح إشكاليّة وضع المرأة ليس فقط في الكنيسة وحسب، بل، أيضًا، في المجتمعات عامة، يقودنا إلى القول بأنّ المسألة ما زالت تطرح بثقلها على الجميع. لكن التمييز بين الرجل والمرأة الحاصل في حياة الكنيسة ما هو في عرفنا إلاّ من جرّاء حفظ بعض الترّسبات العائدة إلى العهد القديم والحضارات الشرقيّة المختلفة وما يتبعها من ذهنيَّات ملتصقة بمواقف الناس ونظرتهم إلى المرأة ودورها في الكنيسة. ولا بدَّ لنا ههنا من أن ننوّه أنّه في بعض المجتمعات الّتي أدركتها أفكار النهضة وحركات التحرّرّ في العالم، رُفع من شأن المرأة في مجالات التعليم والنشاط السياسيّ والاجتماعيّ وحتّى في المجال الديني. إنّ دور المرأة في المجتمع وفي الكنيسة مرتبط، أوّلاً وأخيرًا، بالنّظرة إلى الإنسان الآخر، وبنظرة الرّجل إلى المرأة، بحيث يصير الاثنان واحدًا بالمسيح، لأنّهما لبِسا كلاهما المسيح. ماريَّا قباره
إنّها الظهيرة. والضَيعةُ قاحلة مقفرة، ويسوع جالساً مُتعباً من المَسير على حافة بئرِ يعقوب. حين وصلت امرأة من السّامرة، فطلبَ منها يسوع أن يشرب، هو الّذي لن يطلب الشرب ثانيةً إلاّ على الصليب. تعجبت المرأة السّامريّة عندما لاقاها يسوع في عُمق عطشها هي، في عمق كيانها المجروح بعدم الاِرتواء " لو كنت تعرفين عطاء الله، ومن الّذي يقول لكِ اسقيني، لسألتهِ أنتِ، فأعطاكِ ماءً حيّاً" (يوحنا 10:4). رفضت المرأة أن تغوص في عمقها، هي الّتي لم تعِ وجودها منذ زمنٍ طويل. ومثل حواء حاولت التهرّب من وجه الله فوجدت نفسها تلبس ثوب العريّ والخجل. شعرت المرأة بحضور يسوع أنّها كُشفت لذاتها، وأضحتْ أبعد من الشهوة التي قادتها من مغامرة إلى أخرى ومن عشيقٍ إلى آخر. هي الآن تسمِّي رغبتها بعد أن كانت تبحث عن المطلق في الحبّ؛ أي مطلق الله، وتسأل: كيف ألتقي الله الحيّ؟ "يا سيّد، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إنّ في أورشليم الموضع الّذي ينبغي أن يُسجد فيه" (يوحنا 20:4). لقد عُريّ الجرح الأصلي في القلب الأنثويّ، ومن خلال لقاء هذه المرأة تطلّع يسوع إلى كلّ من سيأتون إلى الآب مدفوعين بأنّات الرّوح الحيّ الساكن في قلوبهم. وحقّقت المرأة السّامرية بحسب الإنجيلي يوحنّا المشروع الذي بدأه يسوع والمتمثّل بـعبادة الله بالروح والحقّ "الله روح والّذين يسجدون له فبالروح والحقّ ينبغي أن يسجدوا" (يوحنا 24:4). اِلتقى يسوع بالمرأة السّامرية وتعارفا! السّامرية الّتي تتعرّف إلى يسوع المسيح مخلص العالم، فتُشارك الغير به. في النصّ مشهدين متوازيين: مشهد يسوع مع المرأة السّامرية، ومشهد يسوع مع تلاميذه. لكنّ حوار يسوع مع السّامرية هو في صميم الحدث، في محاولة بلورة وفهم دور التّلميذ وإظهاره على حقيقته. لم يعد الكلام ضرورياً، فالاتحاد اِكتمل بالمحبّة المتبادلة. "وأخطبك لنفسي إلى الأبد وأخطبك لنفسي بالعدل والحق والاحسان والمراحم، أخطبك لنفسي بالأمانة فتعرفين الرب" (هوشع 21:2). أعود إلى اختيار يسوع امرأة ليكشف ذاته مسيحاً للمرة الأولى وبوضوح. "أنا الّذي يكلّمك هوَ" (يوحنا 26:4) المرجع الأول في الأناجيل، يُعلنها يسوع لاِمرأة، بغضّ النّظر عن عِبادتها، موضحًا لها من هم عبّاد الآب الحقيقيون. في حين أنّه لم يكن قد تكلّم بعد عن الآب لتلاميذه "ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين السّاجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحقّ لأنّ الآب طالب مثل هؤلاء السّاجدين له" (يوحنا 23:4). وللحال، "تركت المرأة جرّتها ومضتْ إلى المدينة وقالت للناس: هلّموا انظروا إنساناً قال لي كلّ ما فعلت ألعلَّ هذا هو المسيح؟" (يوحنا 28:4-29). مثل "المحبوبة" في سفر نشيد الأناشيد، اِنطلقت السّامرية حُرّة من كلّ حكم ومن كلّ عار ومن كلّ خوف، وتهللَّ يسوع. أمّا التلاميذ فصمتوا على عتبة هذا السرّ. فأصبحت المرأة السّامرية أول رَسولة لإنجيل الحياة. لقد بذرت الزّرع فحضّرت لخبرة السّامريين الشخصيّة وللحصاد الرسوليّ "وقَالُوا (السّامريون) للمرأَة: " إنّنا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أنّ هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم". نهاية، أودّ أن أُظهر نضارة هذا النصّ بقلبٍ جديد، مدركين أنّ الموضوع يتعلّق بولادة جديدة لحواء، بإعادة لأيام الخلق الأولى. فبلقاء السّامرية على حافة البئر، وبكشف الماء الّذي هي عطشى إليه، وهبها يسوع؛ ومن خلالها وهب كلّ النساء، الانعتاق الجذري، واضعاً القوى الحيّة فيها في ديناميكية رغبتها الأولى " الماء الذي أعطيه يَصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يوحنا 14:4). ومنذ ذلك الوقت وللنّساء موعدٌ للقاء فرح الله كلِّه، وهو المعبر الوحيد لحريتهن. "ويكون في ذلك اليوم أنّي استجيب يقول الرب استجيب السماوات وهي تستجيب الأرض. والأرض تستجيب القمح والمسطار والزيت وهي تستجيب يزرعيل (الله يزرع)" (هوشع 21:2-22) الاعلامي: ميلاد موسى
زمن قيامة، زمن فرح، زمن شموع مضيئة، تهاليل، أبخرة مباخر، صلوات، تراتيل ، مواسم جميلة، لكن في زحمة ما تقدّم، وفي كل عام، تتبادر إلى ذهني صورة يهوذا الخائن . أتعاطف جدا مع هذا الانسان، فلقد ارتبطت مسيرته كلها بحدث القيامة والخيانة . سيرته السابقة قد تكون جيدة ملتزمة محبة، غيورة على المسيح، لكن خطأ كبير مسح كل تاريخه. نظرتنا ليهوذا تعكس حالنا اليوم، قد نعيش مع صديق مسيرة حياة خالية من الأخطاء ولكن عند اول مطب ننسى ذلك ونبتعد. قد يقول أحدكم لو ان يهوذا اعترف وندم كبطرس لكان الرب سامحه بالتأكيد، ولكن هل نفعل نحن هل نسامح؟ أحيانا كثيرة أتسائل كم حجم 30 فضة في زمن المسيح؟ فلو افترضنا بأنها 30 مليون دولار اليوم، فهل نفكر مرتين قبل ان ندعي الشجاعة، قد أسلم المسيح قبلكم من أجل هذا المبلغ، ولكن قبل ان تتهجم علي دعني اشرح! رجل معلم ناصح وبار.. ويعيش معك الان ،طُلب منك أن تخبر عن مكان سكنه وتقبض 30 مليون دولار .. هل تفعل؟ لا تتسرع ... فكر ... قد لاتفعل وقد تفعل. القصد مما تقدم ..ليس التبرر لفعلة يهوذا، وإنّما الوقوف على انسانيّتنا وعدم إطلاق الاحكام، فأنا متأكد بأنّ الربّ الذي سامح بطرس كان ليسامح يهوذا، فهل نفعل مع بعضنا البعض كما أوصانا؟ الأستاذ ميلاد موسى
رائحة بخور قوية، شموع تضيئ في كل مكان، احتفالات، طبل وزمر، تهليل، قام المسيح قام المسيح قام المسيح حقا قام . تساءلت مرارا وتكرارا عن حدث القيامة، عن حدث قبل مئات والاف السنين وكيف نحن المسيحين نحي ونتذكر ونعيش هذا الايمان، هل بشمعة مضاءة من تلقاء نفسها ام بقبر فارغ ... على ماذا نرتكز في ايماننا اليس على قيامة المسيح بحد ذاته ، ماذا يهم المؤمن ؟ ماذا بالأحرى ننقل لأطفالنا ولغير المسيحين من رسائل فرح نعيشها ؟ هل نفرح بالشمعة والقبر الفارغ هل نفرح لأنها مضيئة ام لأنه فارغ ؟ أخطر شيء على المسيحية أن ترتكز على قبر فارغ . فإيمان الكنيسة لا يرتكز على قبر فارغ . فماذا لو سرق القبر، ! ماذا يعني ذلك ؟ حدث القيامة لا يرتكز على ووجود الجسد واختفائه ( مع أهمية ما تقدم ) ولكن قيامة يسوع الحقيقة أو حدث القيامة يتمحور حول اللقاء الحقيقي بين المسيح القائم من الموت وابتاعه، اللقاء هو الأهم، الخبر السار ليس القبر الفارغ بل اللقاء ، التواصل ، لقاء يسوع بمريم المجدلية والتلاميذ نقلهم من الحزن الى الفرح من الاكتئاب الى العمل بنشاط من السجن الى الحرية المطلقة من الصمت الى التكلم بلغات عديدة . فلو رجعت مريم وأخبرت الرسل عن القبر الفارغ من دون لقاء ، من دون ظهور ، من دون أن يقول لتوما تعال وضع يدك في جرحي ، من دون أن يتمشى مع تلميذي عماوس، لكانت قيامة غير ناضجة . أما وقد تواصل ربنا يسوع المسيح مع مريم المجدلية واعطاها البشارة الأولى ومع تلاميذه وارسلهم للعالم ومع تلميذي عماوس، فقد أصبحت قيامتنا مجيدة . المسيحية لقاء مع الاخر، المسيحية حب التواصل ، حب التواجد حب العمل حب الاخر المختلف ، المسيحية عندما يجتمع اثنان باسمي أكون هناك وسطهم ( متى 18-20 ) ....... ولن تكون يوما بقبر فارغ عرين مخّول
11.12.2022 نادت بعضٌ من فلسفات الحداثة بحريّة الإنسان، وادّعت أنّ لا مجال للإنسان أن يحقّق حريّته ما دام الله واقفًا هناك في الأعلى، متربّصًا وضابطًا للكلّ، ولذلك، كان يجب أن "يُقتَل" الله كي "تحيا" الحريّة الإنسانيّة، ف "قتلت" بعضٌ من هذه الفلسفات "الله" كي تخلق إنسانًا جديدًا، إنسان المعايير والتّطلّعات الجديدة، إنسان اللاتبعيّة؛ إنسان "الحريّة". صورة الله القاس والمُعاقِب كان يجب أن تزول حتّى يتغنّى الإنسان بالحريّة الّتي يريدها، ولكنّ هذه الصّورة عن الله، ليست بالضّرورة هي صورة الله الحقيقيّ، فالفلسفة لم تقتل إلّا الله الّذي اعتقدت أنّه الله. ولذلك، قبل أن تُقدِم الفلسفة على قتل "الله" كان يجب عليها أن تسأل "من هو "الله" الّذي يجب قتله؟". ولذلك، حتّى بعد أن ألغت الفلسفة الحديث عن الله في إطار الحريّة الإنسانيّة، بقي السّؤال: هل "الله" الّذي قتلته الفلسفة هو الإله الحقيقيّ أمّ هو صورة إنسانيّة عن إله لا وجود له بالحقيقة؟ بحث الإنسان على مرّ العصور عن الحريّة، هذا البحث عن الحريّة له العديد من التجلّيات، سأذكر بعضًا منها. إنّ الإنسان ككائن ذو ثلاث مقوّمات؛ الجسد، النّفس والرّوح، لمّا "يُنفى" في نظره وجود الله، يُقدِم على البحث عن الحريّة استنادًا على بُعدي الجسد والنّفس قطّ، متجاهلًا بشكل عامّ كلّ ما له علاقة ببُعد الرّوح، فيبحث عن الحريّة من خلال نزعاته وجوارحه الجسديّة والنّفسيّة ليس إلّا، فالبحث عن الحريّة من خلال بُعد الجسد يشمل تحقيق الحاجات والرّغائب الجسديّة، والبحث عن الحريّة من خلال بُعد النّفس يشمل العلاقة الإنسانيّة مع الآخر (مثل تحقيق الحاجة إلى التّواصل والحبّ) وتفعيل العقل، وغيرهم من الطّرق والوسائل الّتي يبحث الإنسان من خلالها عن الحريّة. أمّا بالنّسبة للبحث عن الحريّة عن طريق بُعد الرّوح، فيشمل وعي الإنسان بأنّ تحقيق الحريّة بالكامل لا يتحقّق إلّا باندماج بُعد الرّوح مع بُعدي الجسد والنّفس، وهو البُعد الّذي يقود الإنسان إلى تحقيق ذاته وحرّيّته عن طريق ما يتجاوز الإنسان جوهرًا ووجودًا؛ أي عن طريق الله. لمّا يبحث الإنسان عن الحريّة، في موضوعات وقتيّة ومتناهية تنحصر في بُعدي الجسد والنّفس قطّ، ينتج عن ذلك بحث خائب، حيث أنّ البحث عن الحريّة - وإن كان الإنسان ليس واعٍ لذلك - لهو في جوهره اختبار الإنسان علاقته باللامحدود وباللامتناهي، وبالتّالي هذا الاختبار لا يمكن أن يُحقَّق حصرًا في إطار موضوعات البحث الّتي ذُكِرَت أعلاه والّتي تنحصر في بُعدي الجسد والنّفس، أي بإطار المحدود والنّاقص؛ أي أنّ البحث عن القيمة في قيمة أقلّ منها من حيث الجوهر، قد يُحقّق جزءًا من الحريّة، ولكنّ لا يمكن أن نعتبره تحقيقًا مكتملًا للبحث. ولهذا، كثيرًا ما نرى إنساننا، وهو يبحث عن الحريّة في موضوعات وقتيّة ومتناهية من حيث الوجود، يُخفِق في اختبار الحريّة الّتي يتوقها في الحقيقة فيستزيد في البحث، ويغيّر طرائق بحثه ووسائل تفتيشه عن الحريّة، ومع كلّ استزادة يختبر إخفاقًا جديدًا. إنّ البحث عن الحريّة في موضوعات وقتيّة وناقصة من حيث الوجود لطالما ترك الإنسان مع إحساس النّقص والخيبة، فكم بالحريّ لمّا يبحث الإنسان عن هذه الحريّة في هذه الموضوعات مع اعتراف مباشر بعدم مرجعيّة الله، بل وبمعرفة واثقة أنّ الذّات الإنسانيّة هي محور الوجود ومرجعيّته؟ ولذلك، في هذا الصّدد سأقول، أنّ وحده اللامتناهي من بمقدوره أن يوفّر للإنسان الحريّة الّتي يتوقها الإنسان بالحقيقة، لأنّه وحده ينبوع الوجود والموجود، الّذي يخلق الأشياء من فيض ذاته ويهبها القيمة والجوهر، وبالتّالي هو صاحب الحريّة الحقيقيّة، الّتي لا تنتهي بانتهاء موضوعها، بل تبقى وتُنبِت في مُختبرها ثمار الانفتاح على الحقيقة المطلقة قُدمًا. وبالتّالي، إنّ الله الّذي يتواجد بالحريّة ويخلق من فيض الحريّة لا يمكن أن يتناقض وتوق الإنسان لنيل الحريّة، ولا يمكن -منطقيًّا- أن يشكّل عائقًا في وجه الإنسان لنيل حريّته، بل على العكس تمامًا، وجود هذا الإله ضروريّ حتّى يتسنّى للإنسان أن ينكشف له، أي للحريّة، وبالتّالي حتّى يحقّق ذاته بالله، أيّ بالحريّة. ولذلك، أعتقد أنّ بحث الإنسان عن الحريّة مع ادّعاء الاستقلاليّة الإنسانيّة المطلقة، بعيدًا عن مؤسّس لهذه الحريّة، لطالما ترك الإنسان مع خيبات كثيرة اختبر من خلالها أنّ طعم الحريّة الّتي يذوقها مع كلّ تجربة بحث جديدة هو طعمٌ زائل، خائب ومؤلم. وبالتّالي، إنّ تلك الحريّة لم تكن سوى وهمًا أوهم الإنسان أنّه كائن حرّ من تلقاء ذاته، وبمقدوره أن يوفّر لذاته، بمحض ذاته، ملء الحريّة والإشباع الوجوديّ. وبالإجمال، حينما ادّعت بعض الفلسفات، أنّ الله لهو سارق الحريّة من الإنسان وليس محقّقها، وأنّه يجب إزالة هذا الإله عن خارطة البحث الإنسانيّة، لم تقصد الفلسفة سوى صورة إنسانيّة عن إله غير حقيقيّ؛ إله يقف بالمرصاد، يُعيق المسيرة الإنسانيّة وينتظر من الخليقة أن تعبده ليس إلّا، بينما الله الحقيقيّ؛ إله الحريّة الّذي يخلق من فيض الحريّة ويُطلق الإنسان للوجود حرًّا، ويدعوه إلى تحقيق ذاته به وليس طمس ذاته به، لم تقتله الفلسفة يومًا، ولم تتعامل مع وجوده أصلًا، لأنّها لو تعاملت مع وجوده لما كانت قتلته لأنّ وجوده لا يتعارض مع حريّة الإنسان، بل على العكس تمامًا، هو أساسها ومكمّلها. ولذلك، إنّ "الحريّة" الّتي تقتل باسم الحريّة منبع الحريّة وواهبها لهي سجنٌ تزجّ المعرفة به ذاتها حتّى تغدو جهلًا، لأنّها توهم الإنسان أنّه الكائن الحُرّ الّذي يحمل من تلقاء ذاته واكتفاءً بذاته جميع المقوّمات الّتي تؤهّله لأن يكون سيّد وجوده ومنبع حقيقته وملئه، بينما في الحقيقة، وإن كان الإنسان له دورًا أساسيًّا في صنع تاريخه من خلال حريّة الاختيار الّتي وُهبَت له، فإنّ التّنعّم بالحريّة لا يمكن أن يكون من خلال "قتل" الله والبحث عنها في الموضوعات المتناهية والنّاقصة لها من حيث الجوهر. أعتقد أنّه حان الوقت أن يغيّر إنسان اليوم، إنسان المناداة بالحريّة والتّحرّر، إنسان الفرديّة والاستقلال المطلق، إنسان الانعتاق من كلّ تعريف عن ذاته خارج الذّاتيّة الإنسانيّة، موقفه من الله، وأن يمعن بدقّة في "شكل" الله الحقيقيّ؛ الله الّذي أحبّ الإنسان حُبًّا جعل منه إنسانًا مصلوبًا على صليب الحُبّ النّازف، الله الّذي لم يكتف في أن يهب الحريّة فحسب، بل قَبِلَ أن "يُدان" و "يُطرَد" من قِبَل الإنسان بموجب هذه الحريّة الّتي وهبها له في الأصل، والّذي لم يكن هذا سوى دليلًا ساطعًا على أنّ الله لم يكن يومًا عائقًا في وجه الإنسان لنيل حرّيّته، بل مانحًا لهذه الحرّيّة ومتألّمًا من جرّاء عواقب استعمال هذا الحرّيّة الّتي منحها من فيض حرّيّته. هذه هي الحريّة الّتي وُهبَت إلى الإنسان فتمسّك بها إلى الحدّ الّذي ألغى بها مؤسّسها، وادّعى في النّهاية، باسم الفلسفة والمنطق، أنّ الله عائقٌ في وجه الإنسان ويجب أن يُمحى عن وجه المعرفة والتّوق، هذا الإله، إله الحريّة الغافرة، هذا هو الله الّذي لم تقتله الفلسفة يومًا، هذا هو الله الّذي لم نلتفت إليه بينما صوت الإنسان فينا يصرخ: أين هي الحريّة؟ ميلاد أسعد موسى، إعلامي
عن طريق الخطأ، واثناء نقاش عابر مع أصدقاء مقربين، طرحتُ فكرة قديمة جديدة على ذهني وهي عدم معمودية المسيح على يد يوحنا المعمدان استنادا لانجيل يوحنّا، فالنص الإنجيلي في يوحنا لا يذكر ابدا بأن المسيح قد عمد على يد يوحنا بل وتشعر بأن يوحنا من خلال النص لايعرف المسيح ابدا، وفي النص ذاته لم يتبادلا أي كلمة، أبدا. وهذا هو نص إنجيل يوحنا 1 : 29 "وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا اليه، فقال:«هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم! هذا هو الذي قلت عنه: ياتي بعدي، رجل صار قدامي، لانه كان قبلي. وانا لم اكن اعرفه. لكن ليظهر لاسرائيل لذلك جئت اعمد بالماء». وشهد يوحنا قائلا:«اني قد رايت الروح نازلا مثل حمامة من السماء فاستقر عليه. وانا لم اكن اعرفه، لكن الذي ارسلني لاعمد بالماء، ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلا ومستقرا عليه، فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس. وانا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله». وفي الغد ايضا كان يوحنا واقفا هو واثنان من تلاميذه، فنظر الى يسوع ماشيا، فقال:«هوذا حمل الله!». فماذا لو ان المسيح لم يعتمد على يد المعمدان؟ ما تأثير ذلك على بشارة المسيح وعلى إيمان المؤمن. فركائز الإيمان لا تعتمد على معمودية ولا على قبر فارغ. التعلق بشخص المسيح يحتاج لعلاقة، لمسيرة طويلة، لفهم ونقاش . الغريب في الأمر ان أي معلومة خارج نطاق المألوف يتم التصدي لها بقوة وعنفوان المؤمن الصنديد، بالإضافة إلى تكفير فوري، مع غياب للحجة والنقاش والبرهان. يسوع بنفسه كان ملك الحجة والمنطق. أنسينا عندما قال اعطوا مال قيصر لقيصر، ومال الله لله، وغيرها من المواقف القوية ليسوع المسيح. هل تحوّلَ التعليم الكنسي إلى تعليم هجومي مغلق لايقبل النقد، ولا يقبل النقاش؛ على الأقل هذا ما نلمسه في بعض التعاليم والمناهج الكنيسة التي للأسف تقدم للأطفال. فتغرس فيهم الأمان بالمعلومة وتبعدهم عن البحث الدقيق. لينشأ جيل من فكر واحد، هجومي، لايقبل أي رأي مختلف، أو يدعي القبول لفترة ثمّ، وما أدراك ما ثم؟ في ظل ما نعيش من انفتاح وتطور وتكنولوجيا ووسائل تواصل اجتماعيّ، يجب على كنائسنا وعلينا ان نطور أساليب التعايش مع الزمن وتطوير المجابهة لاطفالنا ( شباب الغد ) لكي لا نكرر خطأ الجمود العقائدي. وأختم مع القديس بطرس الرسالة الأولى – 3 – 15 " كونوا في كل حين مستعدين للرد على كل من يطلب منكم دليلا على الرجاء الذي فيكم" ملاحظة: دائما عيني هي عين الإعلامي والصحفي والناقد، لا ادعي الصلاح والكمال، انا مجرد باحث، أكتب كما أرى. عرين مخّول
7 - 12- 2021 لطالما كان السّؤال عن التّجسّد المسيحيّ يعرض معضلة منطقيّة في وجه الإنسان، ولطالما تعدّدت الأسئلة الكثيرة فيما يخصّ هذه المعضلة فتسائلوا السّائلين: "هل يُعقَل أنّ الألوهة صارت إنسانًا؟ وكيف يمكن للمنطق الإنسانيّ أن يقبل بهذه الحقيقة؟" "لماذا يجب على الله أن يتجسّد؟". إنّ لاهوت التّجسّد المسيحيّ هو من بين الأمور الّتي جعلت من المؤمنين بالإله الابراهيميّ المُتعالي شكّاكين في المسيحيّة ككلّ، لا سيّما لأنّ المسيحيّة تعرض إلهًا يتجسّد، يتألّم ويُصلب، وهذا بالذّات ما يُناقض صور ة الإله الابراهيميّ المُتعالي والّذي لا تشوبه شائبة. لن أخوض هنا في الحديث عن لاهوت التّجسّد مقابل شكوك المثاليّين المؤمنين بتعالي الألوهة، بيد أنّ هذه الشّكوك شرعيّة وتستدعي البحث والفهم العميق، ولكنّ بغضّ النّظر عم مدى حقيقة الله وعن مدى حقيقة التّجسّد وعن مدى حقيقة المسيحيّة، فإنّ فعل التّجسّد المُفاجئ والغير مفهوم ضمنًا، يضعنا أمام أسئلة كبيرة: لماذا قرّر المُتعالي أن يصير منّا وفينا؟ ما يكمن وراء الفعل الّذي جعل من الله؛ "ضابط الكلّ" ومُهندس العالم أن يتحوّل إلى طفلٍ صغيرٍ، لا يقوى على إعالة نفسه، لا يقدر على تدفئة ذاته، فيأتي الحيوان، بكلّ ضعفه، حتّى يدفئه من برد العالم الّذي هو -الأوّل- وضعه؟ وبالتّالي، كيف يمكن للقوّة أن تصير "ضعفًا"؟ كيف يمكن للجبروت أن يغدو "هشاشة"؟ كلّ هذه الأسئلة، والّتي هي بالعمق لاهوتيّة، تقودنا في الأساس إلى البحث في عمق الّذات الإلهيّة، صفاتها وقابليّتها للأمور، ولكنّها من جهة أخرى، فإنّها تأتي أيضًا لتكون أبسط من مسائل لاهوتيّة، إنّما مثالًا قابلًا للفهم والتّطبيق إنسانيًّا، وهو أنّ فعل التّجسّد في عمقه، بغضّ النّظر عن مدى حقيقته وعن مدى حقيقة الله، هو فعل سأسمّيه "إزالة غشاء"، ففي هذا العالم، عالم النّظرات، المثاليّات الشّكليّة والصّور الاجتماعيّة، أعتقد أنّنا بأمسّ الحاجة إلى أن ننظر وأن يُنظَر إلينا بحقيقيّة، ففي حين أنّ نظراتنا نحو الآخرين ونظرات الآخرين إلينا مبنية على الأحكام المسبقة، الانطباعات الجاهزة الّتي ترسمها لنا مواقع "التّواصل" الاجتماعيّ، والقوالب الغشّاشة الّتي يصنعها لنا المجتمع بما فيه من عاداتٍ وتقاليد، يتوه الإنسان في هذه الحالة، في عين نفسه وفي أعين الآخرين، فتتكوّن الأغشية الكثيرة، ويصير صعبًا على كلّ فرد منّا أن يرى نفسه وأن يرى الآخر بحقيقيّة. فعل التّجسّد، أتاح للإنسان أن ينظر إلى نفسه، يقبل نفسه ويحبّها، ليس لأنّ الإنسان قادر بمحض قواه المشروطة على فعل ذلك، بل لإنّه يفترض أنّ من يعلوه في الجوهر، وهو الإله، صار إنسانًا ونظر إليه من مستوى يُوازي إنسانيّته، فقبله كيفما هو وأحبّه كيفما وصار مثله مخلوقًا صغيرًا مشروطًا في الزّمان والمكان، متألمًّا ومن ثمّ "ميّتًا"، فتحوّلت القصّة من قصّة ذات بعدين، مستويين ونظرتين، إلى قصّة ذات بعد واحد، مستوى واحد، ونظرة واحدة. باعتقادي إنّ فعل التّجسّد هو فعل حوار ، نظرة متساوية وانقلاب في مفاهيم العلاقة الصّحيحة، فلا يمكن لجوهران مختلفان في الجوهر، أن يتحدّثا ويصلا إلى نتائج تُرضي الطّرفين وهما المختلفان في الجوهر، ولذلك، على المستوى اللاهوتيّ، كان يجب، إمّا أن يصير الإنسان قدّيسًا أو إمّا أن يصير الإله إنسانًا، أمّا على المستوى الإنسانيّ الانثروبولوجيّ، ففي حياتنا اليوميّة وفي علاقاتنا مع الآخرين، لا يمكن أن يتكوّن حوار سليم دون إزالة غشاء الأنا المزيّف عند المُتحدِّث والنّاظِر ومن ثمّ عند المُتحَدَّث إليه والمنظور إليه، فحتّى يتكوّن رباط إنسانيّ سليم بين الطّرفين، يجب إزالة غشاء الأنا الّذي فينا والولوج إلى الآخر بشفافيّة، بانفتاح وبحبّ، ومن هناك، سيزيل المُتحَدَّث والمنظور إليه، أي الآخر، الغشاء عن عينه ليرى نفسه بعيون نفسه وبعيوننا، وعندها، فقط عندها، سنتجاوز معًا ما كوّناه لأنفسنا من أغشية وحواجز ، وسنبني رباط إنسانيّ حقيقيّ أساسه الشّراكة، الحوار والانفتاح. عالمنا بحاجة إلى وجوه حقيقيّة وإلى نظرات شفّافة وإلى قلوب منفتحة، وباعتقادي "حدث" التّجسّد الّذي يستدعي الشّكّ والسّؤال الفلسفيّ هو أيضًا "حدث" يستدعي البحث في معانيه الإنسانيّة، أبعاده التّطبيقيّة ورسالته الوجوديّة. ![]() صَدَرَتْ عَنْ مَكْتَبَةِ "دَارِ اَلشَّامِلِ" اَلنَّابُلسِيَّةِ اَلْفِلَسْطِينِيَّةِ اَلْمَرْمُوقَةِ... كتاب "مَفَاتِيحُ اَلسَّمَاءِ" للشاعر وهيب نديم وهبة. تنشر تيلوس الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ مَسْرَحَةِ الْقَصِيدَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَوقَفَني الصُّوفِيُّ، على حافّةِ الْحُلُمِ. كانَ هائمًا يَحمِلُ نَهرَ الْأُردُنّ، مُتَوَّجًا مِنَ السَّمَاءِ، قَاصِدًا أَرضَ كِنعَانَ.. وَكُنْتُ صَاعِدًا إلى مَلَكُوتِ الْكَلِماتِ. يُخَاطِبُنِي الْغَمَامُ وَيُحَاوِرُنِي الصَّدَى، وَيَنامُ تَحتَ يَدِي مَدىً مِنَ الْأَزمِنَةِ. لُغَتِي الرِّيحُ، وَقَمِيصِي جَسَدُ الْأَرضِ، وَجَسَدِي جِسرٌ بَينَ آلِهَةِ الشَّمسِ وَجِهَةِ الشَّرقِ، وَخُيولِي الْجَامِحَةُ بَينَ الرِّيحِ وَالْغَمَامِ تُسَابِقُ سَيِّدَ الدُّنيَا الزَّمَانَ. وَالْمَكَانُ يَضِيعُ فِي مَتَاهَاتِ السَّرابِ. قَالَ الصُّوفِيُّ: اُنظُرْ، هُنَاكَ.. يَنَامُ الْيَمَامُ عَلى شُرفَةِ الْبَحرِ.. وَالْبَحرُ كَالْأَطفَالِ يَلهُو بِنَشِيدِ الْكَائِناتِ. الْبَحرُ يَرسُمُ بِالْأَصَابِعِ وَالتَّلوِين. الْأفقُ أَبعَدُ مِنْ مَدَاهُ الْأفقُ أبعدُ مِنْ مَدَاهُ تَعزِفُ غَابَاتُ الرِّيحِ، نَايَاتُ الغَيابِ، وَصَولَجَانُ الزَّمَانِ وَفَرَسُ التَّاريخِ الْهَادِرِ: الْفَرَحُ الْعَاصِفُ آتٍ. يا مَلَكوتَ .. التَّاجُ الْأزرَقُ فِي يَدَيْكَ.. وَفِي عَينَيكَ شَكلُ الْأَرضِ وَرَوائِعُ الْبَدِيعِ مِنْ صُوَرِ الرَّمزِ وَخَفايَا الْكائِناَتِ. لِلسَّمَاءِ أَبوابٌ تُفتحُ؟ وَكَيفَ تَخرُجُ الْمَلائِكَةُ كَأَسرابِ الْحَمَامِ؟ كَيفَ يَا جَوهَرَةَ الدُّنيا وَسَيِّدَةَ السَّعْدِ.. الْغَيبِ.. تَأتِينَ مِنْ مُدُنِ الْقَدَاسَةِ؟ قِدِّيسَةً.. وَالْقَداسَةُ رُوحُ الطُّهرِ، وَالْبَرَاءَةُ. الشَّمسُ وَهجُ النَّارِ، تَصحُو وَتَغفُو نُورًا عَلى مَلاعِبِ الْقَمَرِ وَأَنتِ الشَّمسُ وَالْقَمَرُ وَالنَّاصِرَةُ، كَمِثلِ اللّيلِ الْمُعَلَّقِ فَوقَ أُرجُوحَةِ الرِّيحِ يَهتَزُّ، يَرقُصُ بِالْفَرَحِ، يَتَدَفَّقُ النَّبعُ حَتّى الْمُنحَدَرِ.. وَيَهتِفُ حَتّى الْحَجَرُ وَالصَّخرُ وَالتُرابُ وَالشَّجَرُ تَرتَدي الْأَرضُ ثِيابَ الْقَدَاسَةِ يَجُوبُ جُبرائِيلُ، يَسبَحُ فِي بَحرِ الْفَضَاءِ، يَخفِضُ لَهُ الرَّبُّ أَجنِحَةَ الْوَحْيِ وَيَهبِطُ كَالرِّيحِ الْعَابِرِ بَينَ الْوَحيِ وَالْبِشَارَةِ.. بَاعِثًا فِي حُقُولِ الْحُرُوفِ وَكُرُومِ الْكَلِمَاتِ وَبَسَاتِينِ اللُّغَةِ الْبِشَارَةَ.. تَنمُو وَتُزهِرُ فَوقَ الصَّخرِ وَالشَّجَرِ.. تَعلُو فِي فَضَاءِ الرَّبِّ الْمُعجِزَةُ، الرَّمزُ، وَالرَّمزُ فِي كُتُبِ الْأَنبِياءِ بَلاغَةٌ.. سَيَأتِي حَامِلًا، قَنادِيلَ الْكَلِمَاتِ، وَمِصبَاحًا مِنْ بَلّورٍ وَالنُّورُ.. مَلاكُ السِّرِّ الْمَوعُودِ، يَملكُ سِرَّ الْأَسرَارِ وَمَفَاتِيحَ السَّمَاواتِ يُخرِجُ الْعَتَمَةَ مِنَ الْعُقُولِ وَيَزرَعُ بُذورَ الْمَحَبَّةِ. هُوَ الْقَادِمُ، سَيِّدُ النُّورِ وَالْأَرضِ وَالْعَاصِفَةِ قَادِمٌ جَسَدًا وَأُسطُورَةً.. وَأَنتِ الْقِدّيسَةُ، بِالرَّمْزِ بِلا دَنَسٍ تَحمِلينَ وَبِالْمُعجِزَةِ تَلِدينَ. يَا رَقصَةَ الْخُيُولِ الْعَابِرَةِ مِنْ مَرجِ ابنِ عَامِرٍ حَتّى النَّاصِرَةِ.. أسمَعُ صَهيلَ الْخَيلِ الرَّاكِضَةِ وَرَاءَ جَوقَةِ الْمَلائِكةِ. السَّيدَةُ، اللّيلَةَ تُغادِرُ النَّاصِرَةَ، وَالطَّرِيقُ مَسَافَةٌ مَا بَينَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ قَالَ الصُّوفِيُّ: أَسرَابٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ، كَانَتْ عَلى مِيعَادِ فَرَحٍ.. طُيُورٌ تَطِيرُ فِي نَشِيدِ الْحَيَاةِ. الأُفُقُ النُّحَاسِيُّ الْمُشتَعِلُ بِالنَّارِ، يَهمِسُ لِلْبَحرِ.. الْأَرضُ حُبلى بِالْخِصْبِ. يَتَجلّى مَجْدُ الرَّبِّ مُعجِزَةً فِي بُستَانِ امرَأةٍ.. تَهَبُ الْعَالَمَ دُونَ دَنَسٍ.. مَنْ يَمسَحُ بِدَمِهِ عَنّا خَطايَانا.. امرَأةٌ تُعيِدُ لِلنِّساءِ مَجدَ الأُمُومَةِ.. وَيَسمُو زَمَنُ الْمَرأَةِ فِي تَجدِيدِ الْحَياةِ. هيَ ثَورَةُ الأَرضِ.. عَاصِفَةٌ في تَبدِيلِ ثِيابِ الْفُصُولِ عَادِلَةٌ في تَبدِيلِ ظُلُماتِ النَّفسِ بِنَارِ الْعَدلِ وَمَجدِ أَفراحِ الْمَحَبَّةِ.. هِي ثَورَةُ الْأَرضِ وَمَقدِرَةُ الْخَالِقِ عَلى الْخَلقِ وَالْمَوتِ وَالانبِعَاثِ. ميلاد موسى
يروق لبعض الذين أعرفهم وأجالسهم وأسامرهم وأحادثهم وأناقشهم أن يطلقوا صفات على الآخرين أو ينسبوا صفات لأنفسهم . هذا صالح هذا كاذب هذا غشاش هذا لعيب هذا يستحق النار ( إن وجدت ) هذا للجنّة ( إن وجدت ) مع حجز مسبق وذاك وتلك واولئك .... الخ وأحياناً بل بأوقات كثيرة يكتفي البعض بممارسة لعبة القداسة المشروطة ، التي تبقى قداسة حتى توزيع الحصص والجوائز، والتي يجب أن يحصلوا على غالبيتها كونهم صالحين طالحين غارقين في روحهم الالهي . لاحظت مؤخراً أن كل ما تقدم ينقسم لقسمين: 1- قسم لامبالي ...سعيد قد يكون صاحب ( شلوة ) أي يتكلم بظرافة على الآخرين ، لا يوزع الأمتار في الجنة والنار، قد يكون هنا وهناك أو قد يكون جيد ( بحسب المقياس الاجتماعي ) او سيئ ولكن لسنا بمعرض الحديث عن هذا النوع. 2-- القسم التاني من ادعى الصلاح والقداسة. الأول لا يهمه تقسيم الناس وفرزها بينما الثاني ….يريد ويرغب ويقاتل من أجل مفهوم وجود الجنة والنار …. بنظره هو صاحب الجنة أما المختلف عنه الذي يمارس حياة مختلفة لا يوجد فيها الفريسية وغيرها، يجب بالضرورة أن يكون مصيره جهنم وبئس المصير والحرق والإبعاد والإذلال. هذه الأفكار المتداخلة السفسطائية الملعونة التي تراودني احياناً تأخذنا معاً الى مثال ضربه المعلم الأول ( السيد المسيح ) في انجيله – متى 20 ( عمال الكرم ) مَثَلُ ملكوتِ السَمواتِ كَمَثَلِ ربِّ بيتٍ خَرَجَ عِندَ الفَجرِ ليستأْجِرَ عَمَلَةً لِكَرْمِه . فاتَّفَقَ معَ العَمَلَةِ على دينارٍ في اليومِ وأَرسَلَهُم إلى كَرْمِه . ثُمَّ خَرَجَ نَحْوَ الساعةِ التاسِعَةِ فرأَى عَمَلَةً آخرينَ قائِمينَ في الساحةِ بطَّالينَ . فقالَ لَهُم : " اذهبوا أَنتُم أَيضاً إلى كَرْمي , وسأُعطيكُم ما يحِقُّ لكُم." فذهبوا . وخَرَجَ أَيضاً نحوَ الظُهرِ ثُمَّ نحوَ الثالثةِ بعدَ الظُهرِ , ففَعَلَ مِثلَ ذلِكَ . وخرَجَ نَحوَ الخامِسَةِ بعدَ الظُهرِ , فلقِيَ أُناساً آخرينَ قائميَن هُناك . فقالَ لهُم : " ما لَكُم قائمينَ هَهُنا طَوالَ النهارِ بطَّالينَ ؟ " فقالوا لَـهُ : " لمْ يستأجِرْنا أَحَد ." قالَ لهُم : " اذهبوا أَنتُم أَيضاً إلى كرمي ." ولمَّا جاءَ المساءُ قالَ صاحِبُ الكَرْمِ لِوكيلهِ : " أُدعُ العَمَلَةَ وادفعْ لهُم الأُجرةَ مُبتدِئاً بالآخِرين مُنتَهياً بالأَوَّلين ." فجاءَ أَصحابُ الساعَةِ الخامِسَةِ بعدَ الظُهر وأَخَذَ كُلٌّ مِنهُم ديناراً . ثُمَّ جاءَ الأَوَّلونَ فظنُّوا أَنَّهُم سيأْخُذونَ أَكثَرَ مِنْ هؤلاءِ . فأَخَذَ كُلٌّ مِنهُم أَيضاً ديناراً. وكانوا يأَخذونَهُ ويقولونَ متذمِّرين على ربِّ البيتِ : " هؤلاءِ الذين أَتَوا آخِراً لم يعمَلوا غيرَ ساعةٍ واحِدةٍ , فساويتَهُم بنا نحن الذين احتملْنا عِبءَ النهارِ وحرَّهُ ." فأَجابَ واحِداً مِنهُم : " يا صديقي ما ظَلَمتُكَ. أَلَمْ أَتَّفق معَكَ على دينار ؟ خُذْ مالَكَ وانصرِفْ . فهذا الذي أَتى آخِراً أُريدُ أَنْ أُعطيَهُ مِثلَكَ . أَفما يحِقُّ لي أَنْ أَتصرَّف بمالي كما أَشاء ؟ أَمْ عينُكَ حَسودٌ لأَنِّي كريم ؟ " لاحظتم معي مدى انزعاج الأولون …..كيف لا وهُم من مارسوا وعملوا وتعبوا في حقل الصلاح فيجب ان ينالوا اكثر من غيرهم. آخر العمال لم يفكر حتى في القسمة ولم يفكر هل يتساوى أجره مع الذي قبله ... أخذ بفرح ومضى ..... . مثل يسوع هذا فيه الكثير من الغل والكثير من الصور الحياتية التي نعيشها اليوم . يقول دستويفسكي " اذا لم يكن الله موجود فكل شيء مسموح " صورة عن الإله الشرطي ... صورة عن ما نريد أن يكونه الله أن يعاقب ويعطي المكافآت... ويرضى ولا يرضى ... صورة طفولية عن علاقة الانسان بالإله ...... فالشريعة والقوانين ضرورة لمرحلة معينة .... فعند النضج .... يتحرك البالغ بحرية كبيرة ويتسامى عما تقدم من يصر على وجود الجنة وجهنم؟ إنه مدعي الصلاح فالصالح حقاً... والقديس حقاً.... يتمتع بحرية ... حرية الروح القدس التي تقول على لسان استفيانس لا تحسب عليهم هذه الخطيئة. هي كمريم اخت لعازر التي ارتضت بالنصيب الصالح وأهملت كل ما تبقى. |
Telosقضايا حاليّة أرشيف
|